البرلمان المغربي: تاريخ مؤسسة تشريعية بين الطموح والتقييد

منذ الاستقلال سنة 1956، كان البرلمان المغربي أحد أعمدة الحياة السياسية التي أرادت الدولة الناشئة أن تُظهر بها طابعها الديمقراطي. غير أن هذا الطموح اصطدم بطبيعة النظام السياسي المغربي، الذي ظل يكرّس مركزية السلطة الملكية، ويحصر دور البرلمان في الهامش. على مدى ستة عقود، ظل البرلمان يتأرجح بين لحظات وميض وإرادة إصلاح، وبين فترات طويلة من التهميش والإخضاع.

🏛️ النشأة: أول برلمان في مغرب الاستقلال (1963)

  • سنة 1963، وفي ظل دستور 1962، انتُخب أول برلمان مغربي بغرفة واحدة.
  • تميزت هذه التجربة بوجود معارضة قوية تمثلت في حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
  • لعب البرلمان دورًا حقيقيًا في مراقبة الحكومة، وعارض عدة مشاريع قوانين.

غير أن هذه الدينامية السياسية أربكت التوازنات التي كان يسعى الملك الحسن الثاني لترسيخها، ما أدى إلى حل البرلمان بعد عامين فقط وإعلان حالة الاستثناء.

📉 سنوات الجمود (1965–1977): حكم استثنائي بلا رقابة

  • أُعلن عن حالة الاستثناء سنة 1965 بعد احتجاجات الدار البيضاء الدامية.
  • حُلّ البرلمان، وأصبح الملك يحكم بمرسوم، دون حاجة لأي مؤسسة رقابية.
  • تلا ذلك تهميش شبه كامل للنخب السياسية، وتضخم لدور وزارة الداخلية في تدبير الشأن السياسي.

في هذه المرحلة، خيم الصمت على الحياة السياسية، بينما ترسخ خطاب الدولة السلطوية.

📜 استئناف الحياة البرلمانية في ظل القبضة الحديدية (1977–1992)

  • أُجريت انتخابات 1977 في ظل دستور 1970، وسط مناخ مشحون بالقمع والرقابة.
  • كانت النتائج محسومة لصالح الأحزاب المقربة من السلطة.
  • البرلمان لم يكن يناقش السياسات العامة، بل يكتفي بالمصادقة على توجهات الدولة.
  • جلساته كانت شكلية، والحكومة لا تخضع للمساءلة الفعلية.

لكن البرلمان ظل أداة لإعطاء طابع دستوري للنظام، خاصة أمام الخارج.

🏛️ دستورا 1992 و1996: غرفتان بلا فاعلية

  • جاء دستور 1992 كرد فعل على تصاعد الضغط الدولي والحقوقي.
  • منح بعض الصلاحيات الشكلية للبرلمان، لكنه أبقى على تركيز السلطة بيد الملك.
  • في 1996، أُنشئ مجلس المستشارين إلى جانب مجلس النواب، لتوسيع التمثيلية.

لكن النظام الانتخابي والتقسيمات السياسية كانت تُدار بشكل يضمن هيمنة النخبة المقربة من القصر.

🤝 تجربة التناوب (1998–2002): أمل محدود بالتغيير

  • تولي عبد الرحمن اليوسفي رئاسة الحكومة كان لحظة مفصلية.
  • البرلمان بدأ يلعب دورًا نسبيًا في النقاش العمومي.
  • لكن القيود البنيوية والدستورية ظلت تحد من فعاليته:
    • الحكومة كانت تُعيَّن من طرف الملك.
    • السياسات الاستراتيجية تُحدد خارج البرلمان.

رغم ذلك، تركت هذه التجربة بصمة في مسار تحديث العمل البرلماني.

🧭 برلمان ما بعد الحسن الثاني (2002–2011): التعددية المقيّدة

  • بعد وفاة الحسن الثاني، استمرت الدينامية الحزبية لكن تحت سقف محدود.
  • ظهرت أحزاب جديدة (كحزب الأصالة والمعاصرة)، مما زاد من تشتيت المشهد السياسي.
  • البرلمان بدأ يناقش ملفات أكثر حساسية، لكن دون نتائج تشريعية حاسمة.

ظل البرلمان تابعًا في القضايا السيادية (الدين، الأمن، الصحراء، التعليم).

⚖️ دستور 2011: برلمان بصلاحيات أوسع… ولكن

  • جاء دستور 2011 بعد احتجاجات حركة 20 فبراير.
  • عزز صلاحيات البرلمان في مراقبة العمل الحكومي، التشريع، وطلب مساءلة الوزراء.
  • الحكومة صارت تُعين من الحزب المتصدر للانتخابات.

لكن:

  • الملك يحتفظ بسلطات استراتيجية (الجيش، الأمن، الشؤون الدينية).
  • البرلمان ما يزال يعاني من:
    • ضعف المبادرة التشريعية.
    • غياب الكتلة المعارضة القوية.
    • ضعف التكوين المهني للبرلمانيين.
    • سطوة اللوبيات السياسية والقبلية والاقتصادية.

📊 الأداء البرلماني في ميزان التقييم

  • تقارير المجلس الأعلى للحسابات انتقدت ضعف الأداء التشريعي.
  • غيابات كثيرة، ضعف الحضور، قلة المبادرات.
  • مشاريع القوانين المهمة تأتي من الحكومة، لا من النواب.

كل هذا جعل الكثيرين يعتبرون البرلمان المغربي مجرد غرفة صدى.

✅ خاتمة: برلمان يراوح مكانه

رغم مرور المغرب بتجارب دستورية متتالية، ووجود مؤسسات تشريعية متعددة، ظل البرلمان عاجزًا عن لعب دوره كسلطة مستقلة.

ففي غياب توازن حقيقي بين السلط، وسيادة القرار من أعلى، يظل البرلمان مؤسسة ناقصة السيادة.

إن مستقبل البرلمان رهين بإرادة سياسية حقيقية، تُنهي منطق الهيمنة، وتُعيد الاعتبار للتمثيل الشعبي.

🔑 الكلمات المرتبطة: البرلمان المغربي، تاريخ البرلمان، الدستور المغربي، غرفة النواب، مجلس المستشارين، الحسن الثاني، دستور 2011، التعددية السياسية، التناوب التوافقي، المؤسسة التشريعية، دور البرلمان، مراقبة الحكومة، حركة 20 فبراير

أضف تعليق