منظمات حقوق الإنسان في المغرب: شهود المرحلة وصنّاع الذاكرة

في زمن الصمت والإنكار، حين كانت الاعتقالات تتم دون محاضر، والتعذيب يُمارس باسم الأمن، ظهرت منظمات حقوق الإنسان كأول صوت مدني مستقل يواجه دولة القمع بالوثيقة والشهادة. لم تكن مجرد هياكل تنظيمية، بل ذاكرة حية للمغرب الذي حاول البعض طمس حقيقته. كانت هذه المنظمات، خصوصًا في ثمانينيات القرن الماضي، تجسيدًا لصوت الضمير في وطن مأزوم، لا يجرؤ فيه الكثيرون على النطق باسم من اختفوا، أو طرح سؤال: أين هو؟ ولماذا؟

🧱 1. النشأة في سياق الخوف: ولادة تحت القمع

تأسست الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سنة 1979، في قلب سنوات الرصاص، حين كان تأسيس جمعية مستقلة بمثابة إعلان تحدٍّ للدولة. لم يكن من السهل الاجتماع، أو حتى التصريح بكلمة “حقوق الإنسان”، إذ كانت تُعتبر في نظر السلطة خطابًا عدائيًا مستوردًا.

  • مُنعت الاجتماعات مرارًا، وتم رفض الترخيص في أكثر من مدينة.
  • خضع العديد من النشطاء للمراقبة البوليسية، وتعرض بعضهم للاعتقال.
  • كانت الصحافة الرسمية تشن حملات تشويه ضد المنظمات، متهمة إياها بالخيانة والعمالة.

ورغم هذا المناخ، لعب المحامون والنقابيون والطلبة دورًا كبيرًا في ترسيخ الخطاب الحقوقي، بل وتحويله من مجرد ترف ثقافي إلى ضرورة نضالية.

📄 2. التوثيق: حين كانت الحقيقة تُهرّب

في وقت لم يكن فيه أي اعتراف رسمي بوجود معتقلات سرية مثل تازمامارت أو درب مولاي الشريف، بدأت منظمات حقوق الإنسان بجمع الشهادات الميدانية:

  • اعتمدت على روايات ناجين وعائلات مختفين، في ظروف سرية.
  • كانت الوثائق تُكتب على الآلة الكاتبة، وتُهرّب عبر حقائب إلى الخارج.
  • تم التنسيق مع منظمات دولية كـ Amnesty International و Human Rights Watch، التي نشرت أولى التقارير الدولية عن المغرب.

هذا العمل كان محفوفًا بالمخاطر، لأن امتلاك تقرير أو بيان كان قد يؤدي إلى المحاكمة بتهمة “المس بسمعة البلاد”.

👥 3. المرافقة والدعم: من هم الناس الذين دافعت عنهم؟

لم تكن هذه المنظمات تعمل فقط من أجل التوثيق، بل رافقت الضحايا في حياتهم اليومية:

  • فتحت مقراتها لاستقبال أسر المختفين والمعتقلين.
  • قدمت دعمًا قانونيًا ونفسيًا للمعتقلين السابقين بعد الإفراج عنهم.
  • ساعدت الأرامل واليتامى على تنظيم أنفسهم وتكوين جمعيات مطلبية.

ورغم التضييق، نظمت هذه المنظمات وقفات رمزية ومسيرات صامتة، مطالبة بالحقيقة والكرامة.

🤝 4. من الصدام إلى التفاوض: بداية الانفتاح بعد 1999

مع وصول محمد السادس إلى الحكم، بدأ هامش الحريات يتوسع نسبيًا:

  • دُعيت منظمات حقوق الإنسان إلى المساهمة في هيئة الإنصاف والمصالحة.
  • قدمت هذه المنظمات مذكرات غنية تضم أسماء جلادين، وشهادات عن التعذيب.
  • رغم هذا الانفتاح، رفضت بعض المنظمات المشاركة الكاملة بسبب غياب المحاسبة القضائية.

بدأ الخطاب الحقوقي يجد موقعًا في الإعلام الرسمي، لكن دائمًا بحدود تفرضها اعتبارات “الاستقرار السياسي”.

🧠 5. صناعة الوعي: الذاكرة في خدمة المصالحة

ساهمت هذه المنظمات في تحويل حقوق الإنسان من مطلب للنخب إلى جزء من الثقافة العامة:

  • نظمت معارض صور لضحايا القمع.
  • أنتجت كتبًا توثيقية تحتوي على شهادات حيّة.
  • أطلقت حملات إعلامية لربط الذاكرة بالمواطنة.

وأصبح خطابها تدريجيًا يؤثر في المناهج التربوية، وفي خطاب الصحفيين والباحثين الشباب.

🚫 6. التحديات المستمرة: التضييق الناعم بعد 2011

رغم كل ما تحقق، لا تزال هذه المنظمات تواجه عراقيل عديدة:

  • فرض قيود إدارية على التراخيص والتمويل.
  • شيطنة التمويل الأجنبي رغم شح الموارد الداخلية.
  • محاولات احتواء الأصوات الجذرية داخل هذه المنظمات.
  • تراجع حضور قضايا حقوق الإنسان في الإعلام العمومي.

ورغم كل ذلك، ما زالت هذه الجمعيات، وإن بصعوبة، تُشكل خط الدفاع الأخير عن الكرامة، والحقيقة، والعدالة.

✅ خاتمة: صوت الذاكرة لا يموت

منظمات حقوق الإنسان في المغرب لم تكن طرفًا محايدًا، بل كانت الطرف الذي رفض الصمت، وصاغ ذاكرة بديلة، حين كانت الدولة تكتب تاريخًا رسميًا بلا ضحايا. لقد صنعت هذه المنظمات الجسر الأول بين الذاكرة والمواطنة، بين الحقيقة والمصالحة.

اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود، ما زال صوتها ضروريًا. لا كوصيّ على الماضي، بل كشريك في كتابة مستقبل لا يُكرر القمع، ولا يخاف من الحقيقة.

🔑 الكلمات المقترحة: الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، أمنيستي، سنوات الرصاص، توثيق الانتهاكات، العدالة الانتقالية، الاعتقال السياسي، منظمات المجتمع المدني، الذاكرة الجماعية، المصالحة الوطنية

أضف تعليق