فريق شباب المحمدية: قصة نادٍ حمل أحلام مدينة ومجد كرة وطن

✍️ إعداد: histoiredumaroc.com – من المغرب، لكل المغاربة


🏟️ معلومات أساسية

  • الاسم الكامل: سبورتينغ كلوب شباب المحمدية SCCM
  • تاريخ التأسيس: 1948
  • الألوان الرسمية: الأحمر والأسود
  • الملعب: ملعب البشير، بسعة تقارب 10,000 متفرج

🟥 جدول رؤساء شباب المحمدية

الاسمالفترةملاحظات إضافية
أسامة الناصيريمن 2022 إلى الآنانتُخب في جمع عام استثنائي في شتنبر 2022
مصطفى الزياتيقبل 2022سبقه إلى الرئاسة قبل انتخاب الناصيري
هشام آيت مناحتى 2021 تقريبًاانتقل بعدها لرئاسة الوداد، لا يزال رئيسًا للشركة

🧑‍🏫 جدول الطاقم الفني لنادي شباب المحمدية (موسم 2024–2025)

المنصبالاسم الكاململاحظات
المدرب الرئيسيمحمد أمين بنهاشمعاد لتدريب الفريق في صيف 2024
المدرب المساعديوسف صادقمساعد دائم ضمن الطاقم التقني
مدرب الحراسعبد العالي العلويإشراف متخصص على الحراس
المعد البدنيعبد الله الجيلاليمسؤول عن الجاهزية البدنية
المكلف بالفيديو/التحليلغير محدد رسميًايعتمد على تقنيات التحليل الحديثة

📝 ملحوظة: يتم تحديث أعضاء الطاقم الفني بشكل دوري، لذا يُستحسن الرجوع لموقع النادي الرسمي أو الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عند الحاجة.

🏆 جدول إنجازات نادي شباب المحمدية

البطولةعدد الألقابسنوات التتويج
بطولة المغرب11980
كأس العرش11972
كأس محمد الخامس11975 (غير رسمية – ودية دولية)
الوصول لنصف نهائي الكأس3 مرات1974، 1985، 2021
الصعود للقسم الأولعدة مراتآخرها موسم 2019–2020

🌟 جدول أبرز أساطير شباب المحمدية

الاسم الكاملالمركزأبرز الإنجازات
أحمد فرسمهاجمأول مغربي يتوّج بالكرة الذهبية الإفريقية (1975) – بطل إفريقيا 1976
حسن اعسيلةوسط ميدانقائد سابق – لعب للمنتخب الوطني
بلال دزيرمدافعأحد الركائز الدفاعية في الثمانينات
عمر بودلالمهاجمهدّاف تاريخي سابق للنادي
مصطفى الحداويوسط هجوميتألق مع المنتخب والنادي قبل الاحتراف
بوشعيب المباركيوسط هجوميلاعب مهاري – ساهم في صعود الفريق
سعيد فتاحوسط ميدانمن خريجي مدرسة النادي ولعب في أندية كبرى

⭐ جدول أساطير نادي شباب المحمدية عبر التاريخ

الاسم الكاملالمركزسنوات النشاط مع الناديأبرز الإنجازات والملاحظات
أحمد فرسمهاجم1965–1982فاز بالكرة الذهبية الإفريقية سنة 1975، هداف كأس إفريقيا 1976
حسن اعسيلةلاعب وسطسبعينيات القرن الماضيمن رموز الفريق خلال الحقبة الذهبية
الحياني (الحارس)حارس مرمىالستينيات والسبعينياتساهم في التتويجات الأولى للنادي
محمد بوطبنمدافعالسبعينياتشارك في نهائي كأس العرش 1972
نور الدين البويحياويمهاجمالثمانينياتأحد أبرز الهدافين التاريخيين للفريق

🌍 جدول أبرز لاعبي شباب المحمدية الذين احترفوا في الخارج

الاسم الكاملالفريق الذي احترف فيهالبلدملاحظات إضافية
أحمد فرستلقى عروضًا من ريال مدريدإسبانيارفض الاحتراف حفاظًا على وفائه للنادي
سعيد فتاحالرجاء والوداد ثم قطر SCقطرانطلق من شباب المحمدية
جواد يميقجنوى – بلد الوليد – الوحدةإيطاليا – إسبانيا – السعوديةتكوينه الأول كان بشباب المحمدية
رضا الجعديستاندار دو لييجبلجيكامن خريجي مدرسة النادي
ياسين بونوإشبيلية – الهلالإسبانيا – السعوديةبدأ مسيرته في شباب المحمدية قبل الانتقال للوداد ثم أوروبا

🛡️ جدول تطور شعار نادي شباب المحمدية

الفترة الزمنيةوصف الشعارملاحظات بصرية وتاريخية
1956 – 1980شعار بسيط دائري بالأحمر والأبيضيرمز للبدايات، مع كرة في الوسط واسم النادي
1980 – 2000شعار أكثر حداثة بخط عربيأُضيفت نجمة ترمز للقب الدوري المغربي سنة 1980
2000 – 2020تصميم دائري بألوان أكثر إشراقًابداية عصر الاحتراف والصعود الإعلامي
2020 – الآنشعار حديث بخطوط هندسية ودرعيرمز للاحتراف، واحتفاظ بالعناصر الأصلية

📝 الشعار الحالي يتماشى مع معايير تصميم الشعارات الحديثة ويُستخدم في جميع المنصات الرقمية والقمصان الرسمية للفريق.

👕 جدول قمصان شباب المحمدية عبر العقود

العقد الزمنيألوان القميص الأساسيةالتصميم المميزملاحظات إضافية
1960s – 1970sأحمر بخط أبيض عموديقميص قطني بسيطبدون راعٍ رسمي
1980sأحمر كلي مع شورت أبيضإدماج الشعار القديم على القلبفترة التتويج بالدوري
1990sتنوع بين الأحمر والأسودظهور أول للرعاةبداية مرحلة التسويق
2000s – 2010sأحمر مع زخارف رماديةتصاميم متغيرة سنويًاإدخال تقنيات الأقمشة الحديثة
2020 – الآنأحمر ناري، شورت أبيض أو أسودتصميم احترافي برعاية شركات وطنيةظهور القميص الثالث (الأسود أو الذهبي)

📆 الجدول الزمني لتاريخ نادي شباب المحمدية

السنةالحدث البارز
1948تأسيس نادي شباب المحمدية مباشرة بعد الاستقلال الرياضي للمغرب من الهيمنة الفرنسية
1950sانطلاقة الفريق في البطولات المحلية تحت اسم “الفتح المحمدي”
1960اعتماد اسم “شباب المحمدية” رسميًا
1972الفوز الأول بكأس العرش بعد التفوق على اتحاد سيدي قاسم
1975التتويج بكأس محمد الخامس (بطولة ودية ذات طابع دولي بمشاركة أندية أوروبية وأفريقية)
1976مساهمة أحمد فرس في فوز المنتخب بكأس إفريقيا، ما عزز مكانة النادي وطنياً
1980تحقيق أول لقب بطولة وطنية (الدوري المغربي) بقيادة الجيل الذهبي
1990sبداية تراجع الفريق نحو القسم الثاني وتغييرات مستمرة في الطاقم والإدارة
2000sاستمرار التراجع مع محاولات متكررة للصعود
2019–2020العودة إلى القسم الأول بعد أكثر من عقدين من الغياب
2021بلوغ نصف نهائي كأس العرش بعد أداء قوي في البطولة الوطنية
2022انتخاب أسامة الناصيري رئيسًا خلفًا لمصطفى الزياتي
2023–2024موسم صعب… الفريق ينهي البطولة في المركز 14
2024–2025بداية مشروع رياضي جديد بقيادة المدرب محمد أمين بنهاشم

🏙️ فضالة… حيث بدأت الحكاية

حين كانت مدينة المحمدية تُعرف باسم فضالة، قرية ساحلية هادئة، بزغ حلم كروي صغير سنة 1948. مجموعة من الشباب المتحمسين اجتمعوا تحت لواء الرياضة، فكان ميلاد “سبورتينغ كلوب شباب المحمدية”؛ فريق تأسس على الشغف، لا على الإمكانيات. فريق وُلد من رحم الأحياء الشعبية، ومن ساحات التراب وحكايات المقاهي البسيطة.

في البداية، لم يكن أحد يتوقع أن يصبح هذا الفريق رمزًا وطنيا في ظرف سنوات قليلة. لكن عزيمة رجاله، وروحهم القتالية، كانت أقوى من كل التوقعات.


⚽ أحمد فرس… نجم وُلد في البشير

إذا كانت المدن تُقاس أحيانًا برجالها، فإن المحمدية يمكن أن ترفع رأسها عاليًا حين تذكر اسمًا واحدًا: أحمد فرس. ذلك الفتى النحيل الذي خرج من أزقة المدينة بشغف كروي صادق، وصعد سلم المجد درجة درجة، حتى صار رمزًا، لا فقط للنادي، بل للأمة الكروية المغربية بأسرها.

في زمن لم يكن فيه “الاحتراف” سوى كلمة بعيدة، كان فرس يجسد المعنى الحقيقي للولاء. رفض العروض المغرية من أندية عربية وأوروبية كبرى، وتمسّك بقميص شباب المحمدية، لأنه لم يكن مجرد لاعب… كان ابن الملعب، وابن الجمهور، وابن قصة أكبر من لعبة.

ولد فرس عام 1945، وسرعان ما جذب الأنظار إلى مهاراته الاستثنائية، وسرعته العالية، ولمساته الساحرة. لكن ما ميّزه أكثر هو تواضعه، وهدوؤه، وكأنه كان يعرف أن ما ينتظره ليس فقط أهدافًا، بل مكانة خالدة في ذاكرة أجيال.

في عام 1975، توّج بالكرة الذهبية الإفريقية، ليصبح أول مغربي ينال هذا الشرف القاري. لم يكن ذلك الإنجاز وليد حملة إعلامية، بل ثمرة سنوات من العطاء بصمت وصدق. وبعد عام، قاد المنتخب المغربي لتحقيق كأس إفريقيا للأمم 1976، وكان من أبرز نجوم تلك الملحمة التي لا تزال محفورة في الذاكرة.

في الملعب، كان فرس مهاجمًا لا يُوقف. يُراوغ، يُسدد، يصنع، ويُلهم. أما خارج الملعب، فكان مثالًا للانضباط والنبل، جعل منه قدوة لكل شاب مغربي يحلم بأن يصنع مجده من الصفر، دون وساطة ولا بهرجة.

لم يحمل فرس قميصًا غير قميص شباب المحمدية طوال مسيرته، واعتزل فيه سنة 1982، بعد أكثر من عقدين من العطاء. ومثلما ظهر في هدوء، اختفى في هدوء، لكنه ظل حيًّا في الذاكرة، كلما هتف مشجع باسم النادي، أو تذكر أحدهم زمن البشير الجميل.

واليوم، في كل مرة يمر طفل من أمام الملعب، يسأل: “من هو أحمد فرس؟” فيجيبه الكبار: “هو نحن… هو المحمدية حين كانت تحلم، وتنجح، وتُحب الكرة حبًا خالصًا.”

🏟️ ملعب البشير… ذاكرة مدينة

في قلب مدينة المحمدية، حيث تمتزج رائحة البحر بنسيم الذاكرة، يقف ملعب البشير كأكثر من مجرد حلبة رياضية. إنه معلم حضري وروحي، شاهد على أفراح وأحزان أجيال تعاقبت على المدرجات، تحمل الحماسة في القلوب واللونين الأحمر والأسود في الوجدان.

افتُتح الملعب في خمسينيات القرن الماضي، وسرعان ما أصبح المكان الذي تلتحم فيه المدينة بنفسها، حيث لا تفرقة بين طفل وبائع متجول، بين عامل ميناء وأستاذ مدرسة. كان البشير، ولا يزال، ساحة شعبية تقطر بصدق المشاعر. لا تكييف فيه، ولا مقاعد مريحة، لكن فيه حرارة لا تُقاس بدرجات الحرارة… بل بنبض القلوب.

في زمن لم تكن فيه الشاشات تنقل كل شيء، كان الناس يتدفقون من أحياء مثل القصبة، العالية، المسيرة، وكأنهم ذاهبون إلى وليمة جماعية. في يوم المباراة، كانت المدينة ترتدي زينتها تلقائيًا. المقهى الذي يعج بأنصار الفريق، الحلاق الذي يتوقف عن العمل لحضور الشوط الثاني، الأم التي تسمح لابنها بتأخير العودة من أجل “فرجة البشير”.

وهناك، في جنبات العشب، كُتبت فصول من المجد. أحمد فرس، الفتى الذي انطلق من شوارع الحي ليُلهم الملايين، كان يتوهج على هذا العشب. ومن خلفه جمهور يهتف باسمه دون كلل. كانت هناك مباريات لا تُنسى، لحظات انتصار اختلطت بالدموع، وخيبات مرت بصمت لكنها لم تُطفئ الشغف.

الملعب لم يكن فقط للشباب، بل كان بيت المنتخب الوطني في بعض فتراته، واستقبل مباريات مصيرية في كأس العرش والبطولة، حتى إنه كان قبلة لفرق عربية وإفريقية أُعجبت بروح المكان قبل كفاءة أرضيته.

ومع مرور الزمن، ورغم الإهمال الذي مسّه، ظل الملعب واقفًا، شامخًا. فقد تغيّرت المحمدية، نمت بناياتها، تسارعت حياتها، لكن البشير ظل راسخًا، يُذكّر المدينة بأنها ليست مجرد مرفأ صناعي، بل بيت لكرة قروية أصيلة، نابعة من الشعب، من الأرض.

في السنوات الأخيرة، طالب كثير من عشاق الكرة بتأهيل الملعب، لكن كثيرًا منهم، في قرارة أنفسهم، لا يريدون له أن يفقد طابعه الشعبي. فهم لا يريدونه ملعبًا معقمًا بمدرجات بلا روح. إنهم يريدون البشير كما عرفوه: بسيطًا، دافئًا، صادقًا… مثل المحمدية تمامًا.

🧱 المحمدية… حين تصنع المدينة فريقها

لم يكن شباب المحمدية مشروعًا فوقيًّا جاء بقرار من نخبة سياسية أو دعم من رجال أعمال. بل كان، منذ اللحظة الأولى، نتاجًا طبيعيًا لمدينة تعيش على إيقاع البساطة والكفاح. المحمدية، المدينة التي وُلدت من تزاوج البحر بالصناعة، ومن عبق الأحياء القديمة بأنفاس الحرفيين، صنعت فريقها كما تصنع خبزها اليومي: بالعرق، والملح، والقناعة.

حين تأسس الفريق سنة 1948، لم تكن هناك موارد، بل كان هناك إيمان جماعي بأن للمدينة الحق في أن تحلم بفريق يُشبهها. لذلك، فإن قصة شباب المحمدية ليست فقط حكاية كروية… بل وثيقة حضرية تعبّر عن كيف يُمكن لمدينة مغربية متوسطة الحجم أن تُنجز ما لم تُنجزه حواضر كبرى.

🧒 من المدرسة إلى البشير: مهد النجوم

في زمن مضى، لم تكن هناك أكاديميات فخمة، ولا اختبارات تقنية معقدة. كانت مدارس المحمدية هي أول ملعب، وكان الحي هو أول اختبار. الأطفال الذين يراوغون في استراحة الزوال، أو في الساحات الرملية بعد صلاة العصر، كانوا يُكتشفون تلقائيًا. يأتي أحد الكشافين، يُشاهد، ثم يُخبر المدرب في البشير: “عندنا جوهرة جديدة”.

أجيال كاملة من اللاعبين مرّت من هذا المسار الشعبي، فتعلمت الانضباط قبل المهارة، والكرامة قبل الفوز. وبهذه الروح، برزت أسماء تركت بصمتها في الفريق والمنتخب معًا، دون أن تُغريهم أضواء الفرق الكبرى. لأن شباب المحمدية لم يكن مجرد خطوة… بل كان غايةً في حد ذاته.

🎨 الفريق في المخيلة الشعبية

بعيدًا عن الإحصاءات والتتويجات، ترك فريق شباب المحمدية أثرًا فنيًا وثقافيًا في وجدان المدينة. في جدران بعض الأزقة، ما زالت رسومات الغرافيتي تحمل اسم “SCCM”، وفي بعض الأغاني الشعبية القديمة، تُذكر “المحمدية” لا كمدينة فقط، بل كممثل كروي ومصدر فخر.

حتى في حفلات الأعراس، لا تغيب أسماء اللاعبين الكبار عن النقاشات، ويُعاد بث مباريات قديمة في مقاهي تقليدية، كنوع من الحنين الجماعي. لقد صار النادي، دون أن يشعر، جزءًا من الهوية الثقافية للمكان، تمامًا مثل شاطئ مانسمان أو رائحة الزيت في معامل “سامير”.

📚 نحو كتابة تاريخ منسي

رغم كل ما مرّ به النادي، لا يوجد إلى اليوم كتاب شامل يُوثق قصة شباب المحمدية من التأسيس حتى اليوم. الغالب على السرد هو الشفوي، والذكريات المتناثرة بين الأحياء والمقاهي. ولهذا، فإن جزءًا كبيرًا من الذاكرة الكروية مهدد بالاندثار.

ربما يكون الوقت قد حان، ليس فقط لإعادة الفريق إلى الواجهة رياضيًا، بل أيضًا لتوثيق حكايته ضمن ذاكرة كرة القدم الوطنية. لأن فرقًا مثل شباب المحمدية لا تُقاس بعدد الألقاب، بل بمدى قدرتها على تجسيد روح الناس الذين صنعوها.

🧭 صعود… وسقوط

قليلون هم الأندية التي اختزلت في مسيرتها تقلبات الحظ مثلما فعل شباب المحمدية. فمن قمة المجد إلى هاوية النسيان، ظل الفريق يعيش على إيقاع موج متقلب بين الصعود المضيء والسقوط المؤلم.

في أواخر الستينيات وطيلة عقد السبعينيات، بدا الفريق وكأنه يسابق الزمن. أسماء لامعة، تكتيك عصري، وجماهير لا تُهزم، كل ذلك جعل من شباب المحمدية رقما صعبًا في معادلة الكرة الوطنية. كان الفوز على فرق مثل الوداد والرجاء والجيش الملكي أمرًا معتادًا، بل إن الفريق كان يدخل تلك المواجهات كمُرشح أول، لا كضحية محتملة.

لكن مع بداية التسعينيات، بدأ الضوء يخفت. رحل الجيل الذهبي، ولم يُعوّض، وأصبحت القرارات الإدارية ترتجل بدل أن تُخطط. بدأ النزيف الفني والمالي يزداد، وشيئًا فشيئًا، بات الفريق يخسر بريقه داخل وخارج الملعب. المدرجات فرغت، والنتائج تدهورت، والأسوأ: الإيمان الجماعي بدأ يتلاشى.

سنة بعد سنة، وجد الفريق نفسه يتخبط في أقسام الهواة، حيث الملاعب الترابية، والحكام الهواة، والإعلام الغائب. لكنه ورغم كل ذلك، لم يمت. ظل موجودًا في الأحاديث، في جدران المدينة، في قلوب الأوفياء.

وفي لحظة مفصلية من تاريخه، سنة 2019، أعاد الفريق ترتيب صفوفه، مستندًا إلى إرثه لا إلى موارده. صعد إلى القسم الوطني الأول مجددًا، ليُعلن عودة الفارس الذي أبهر جيلاً وعلّق آمال جيل جديد.

لكن أفراح العودة لم تدم طويلاً. فبُنية الفريق لم تكن جاهزة للصمود في دوري تحوّل إلى معترك احترافي بكل تفاصيله. نُدرة الموارد، غياب استراتيجيات واضحة، وتذبذب القرارات التقنية، كلها أسباب دفعت شباب المحمدية إلى دوامة من الشك والأزمات.

بحلول موسم 2024–2025، وقع الانهيار الكامل. الفريق خاض 27 مباراة دون أي انتصار. سلسلة غير مسبوقة جعلته يتذيل الترتيب، ويفقد ثقة جماهيره ومتابعيه. لم يكن السقوط رياضياً فحسب، بل كان سقوطًا أخلاقيًا وإداريًا، عرّى هشاشة المنظومة بأكملها.

لم يعد السؤال: “كيف سقط شباب المحمدية؟” بل أصبح: “كيف نسمح لرمز كهذا أن يُهدر؟”

🎭 موسم الانكسار: 2024–2025

في قاموس كرة القدم، هناك مواسم تُنسى وأخرى تُدرّس… لكن موسم 2024–2025 بالنسبة لفريق شباب المحمدية، لم يكن مجرد موسم رياضي سيئ، بل كان زلزالاً وجوديًا هزّ أركان النادي من الداخل، وترك في المدينة أثرًا لا يُمحى.

دخل الفريق غمار البطولة الوطنية الاحترافية بتفاؤل مشوب بالحذر. لم يكن مرشحًا للتتويج، لكنه لم يكن أيضًا مرشحًا للانهيار. احتفظ بمعالم تشكيلة تنافسية، وعيون أنصاره كانت تتطلع إلى موسم آمن على الأقل. لكن مع أول صافرة في الجولة الافتتاحية، بدا وكأن شيئًا غير مرئي يجر الفريق نحو القاع.

هزيمة تتبعها أخرى، ثم تعادل باهت، ثم هزيمة جديدة… وكل جولة كانت تُعيد طرح نفس الأسئلة: ما الذي يحدث؟ هل هو سوء تدبير؟ أم انهيار نفسي؟ أم تخلي عن المبادئ التي صاغت هوية شباب المحمدية؟

بنهاية الجولة العاشرة، بات الفريق دون فوز. وعند الجولة العشرين، صار الحديث عن “الهبوط” أمرًا واقعيًا، بل محتمًا. الإعلام بدأ يسخر، والمحللون يتوارون عن تبرير الكارثة، حتى المدربون الذين تعاقبوا على دكة البدلاء، لم يسلموا من الغضب الجماهيري.

لكن الأخطر لم يكن في النتائج، بل في تفكك الشخصية. لم يعد اللاعبون يقاتلون، لم يعد المدرب يوجه، ولم يعد الجمهور يُصفق. حتى ملعب البشير، الذي كان دومًا حصنًا معنويًا، فقد بريقه. ظهرت لافتات “ارحلوا جميعًا”، وعادت المدينة إلى صمت ثقيل.

وبين السطور، كانت هناك إدارة عاجزة، تتخبط بين التصريحات المتناقضة والقرارات المرتبكة. أزمات مالية خرجت للعلن، رواتب متأخرة، تسريبات عن مشاحنات داخل غرفة الملابس، والأنكى من ذلك: غياب مشروع واضح للمستقبل.

مع نهاية الموسم، كُتب في سجل البطولة: “شباب المحمدية… 27 مباراة بلا انتصار، المركز الأخير، الهبوط المؤكد.” لكنها لم تكن مجرد أرقام، بل كانت مرآة لفشل جماعي: فشل في التخطيط، في الحوكمة، في التواصل مع جمهورٍ لطالما سامح، لكنه هذه المرة لم يعد يملك حتى الأمل.

📢 نداء من المدينة

في المحمدية، لا يُقاس الزمن فقط بالساعات والدقائق، بل بنبض الفريق، بصوت المدرج، بانتصار يُنعش الذاكرة، أو هزيمة تُثقل الوجدان. ولهذا، حين سقط شباب المحمدية موسم 2024–2025، لم يكن الحدث مجرد خبر رياضي في هامش الجريدة… بل كان زلزالًا اجتماعيًا ثقافيًا أصاب قلب المدينة.

في المقاهي، لم تعد النقاشات عن من سيسجل أو من سيصنع الفارق، بل تحولت إلى حوارات حزينة عن من باع الحلم، ومن قتل الشغف. في الأسواق، لم تعد القمصان تُباع كما في السابق، وفي البيوت، لم يعد الأطفال يقلدون “أحمد فرس” في أزقة الحي. شيء ما انكسر في الروح الجمعية… ومع ذلك، لم تمت الروح.

خرجت المدينة عن صمتها. كبار السن الذين شهدوا على أيام البشير الذهبية، شبان الحي الذين تعلّموا معنى الانتماء من هتافات المدرج، وحتى من لم تطأ قدماه الملعب يومًا… كلهم عبّروا بصوت واحد: “لا تسلبوا منّا نادي المدينة”.

نشطت المبادرات، عادت الصفحات غير الرسمية لتوثق لحظات المجد وتُذكّر من نسي، وبرزت أصوات تنادي بإعادة بناء المشروع من الأساس، بإشراك أبناء المدينة، وإعادة الاعتبار لقميص يمثل ما هو أعمق من الرياضة.

حتى في لحظة الحضيض، لم يتخلَّ المحمديون عن ناديهم. لأن شباب المحمدية لم يكن يومًا مجرد فريق، بل كان ذاكرة ممتدة، جزءًا من الهوية المحلية، من حكاية فضالة التي صارت المحمدية، ومن قصة التحول الحضري الذي لم يُنسِ السكان من هم وماذا يحبون.

اليوم، لا يُطلب من أحد أن يصنع المعجزات، لكن ما تطلبه المدينة بسيطٌ وعميق: “الصّدق”. الصدق في التسيير، في اختيار الكفاءات، في احترام الشعار، في العودة إلى فلسفة النادي القائمة على الولاء لا الصفقات، وعلى التخطيط لا الارتجال.

المحمدية لا تريد ألقابًا فورية، بل مشروعًا نقيًا ينبت من قلبها. مشروعًا يزرع الأمل في أطفال المدارس، ويمنح الفخر للآباء في المقاهي، ويجعل من البشير مرة أخرى منارة للفرح، لا قبرًا للذكريات.

🧒 جمهور لا يُشبه سواه

جمهور شباب المحمدية ليس جمهورًا كبيرًا من حيث العدد، لكنه من أصدق الجماهير شعورًا وانتماءً. لا يرتدي القمصان الفاخرة، ولا يلوّح بالرايات المستوردة، لكنه يُشعل المدرج بكلمة واحدة، وبنبض قلب جماعي.

في مدرجات ملعب البشير، ترى الأب مع ابنه، وترى الجار والموظف والعامل… الكل يُغني من أجل الشعار، لا من أجل النتيجة. في الانتصار يحتفلون ببساطة، وفي الهزيمة لا يرمون بالحجارة، بل يرفعون لافتة: “نحن هنا… ولن نغادر”.

وحتى في سنوات السقوط، حين كانت فرق من الهواة تمرّح على أرض البشير، ظل الجمهور يُرافق الفريق من دوار إلى دوار، ومن ملعب ترابي إلى آخر، حاملًا معه طقوس التشجيع المتوارثة: الطبل، الزغاريد، والسخرية الجميلة من الخصم… جمهور لا يتقن النفاق، لكنه يُجيد الوفاء.

🗞️ الإعلام والخذلان الصامت

رغم عراقة النادي، بقي شباب المحمدية مظلومًا إعلاميًا. فبينما تملأ أخبار الفرق الكبرى الصفحات الأولى، ظل الفريق يعيش في الهوامش. حتى في سنوات المجد، لم يُكتب عنه بما يليق، وكأن هناك تواطؤًا غير معلن على نسيانه.

ولعل هذا التجاهل الإعلامي ساهم في تآكل حضور النادي على الساحة الوطنية، وغيّب أجيالًا عن تاريخه. ومع ذلك، ظل النادي قائمًا، تُروى قصته من فم إلى فم، ومن مقهى إلى مقهى، كما تُروى الأساطير.

ومؤخرًا، بدأ بعض الصحفيين الشباب يُعيدون كتابة التاريخ، بمواد وثائقية وصور أرشيفية، مما أعاد طرح سؤال محرج على المؤسسات الإعلامية: “لماذا تنسون الفرق التي صنعت الكرة المغربية الحقيقية؟”

🛠️ إصلاح من الداخل: فرصة ما بعد الانهيار

وراء كل سقوط، فرصة لإعادة البناء. وما بعد موسم 2024–2025 قد يكون نقطة انطلاق جديدة إذا توافرت النية الحقيقية لذلك. يحتاج شباب المحمدية إلى رؤية تشاركية تُدمج أبناء المدينة في القرار، إلى أكاديمية تستثمر في الطفولة لا في اللاعبين الجاهزين، وإلى تسيير شفاف يخضع للمساءلة، لا للمجاملات.

المدينة تمتلك المؤهلات: جمهور عاشق، قاعدة تاريخية راسخة، واسم يحمل وزنًا رغم الإهمال. ينقص فقط أن تتوحد الإرادات، بعيدًا عن الحسابات السياسية، وأن يُترك المجال لكرة القدم أن تعود نقية، كما بدأت أول مرة في زقاق بحي شعبي صغير.

🧩 شباب المحمدية… أكثر من كرة

حين تنظر إلى قميص شباب المحمدية، قد تظنه مجرد قطعة قماش بلونين أحمر وأسود… لكن من يعرف المدينة، يعرف أن هذا القميص يحمل شرفًا جماعيًا، وتاريخًا صامتًا، ومقاومةً مستترة ضد النسيان.

إنه ليس مجرد فريق يلعب في الدوري المغربي، بل كيان يُشبه المدينة نفسها: متواضعٌ في الشكل، عميقٌ في المعنى، صلبٌ رغم الجراح، ومُحبٌّ رغم الخيبات. شباب المحمدية هو المعادل الرمزي للكرامة الرياضية المحلية، وقد كان – ولا يزال – صوت من لا صوت لهم.

منذ تأسيسه سنة 1948، لم يُموَّل الفريق من رجال أعمال كبار، ولا صُرفت عليه الملايين في حملات إعلامية مُصطنعة، بل كَبُر من عرق شبابه، ومن تعب المدرجات، ومن عشق سكان المدينة الذين آمنوا بأن المجد يمكن أن يولد من الهامش.

هنا لا نتحدث عن “ماركتينغ رياضي”، بل عن هوية اجتماعية. الفريق رافق التحولات الحضرية لمدينة المحمدية، شهد نمو الميناء، وتغير الأحياء، وزحف الإسمنت، لكنه ظل ثابتًا، كالصخرة في وجه المد.

الذي يزور المحمدية لأول مرة قد لا يشعر بذلك، لكنه سيُلاحظ شيئًا: في كل زقاق، هناك من يعرف تشكيلة 1980، ومن يحفظ هدف أحمد فرس في الكوكب المراكشي، ومن يحنّ إلى تلك الأيام حين كان ملعب البشير يُقارن بالملاعب الكبرى، لا في البنية، بل في الهيبة.

شباب المحمدية، في لحظاته العظيمة كما في سقوطه المدوي، لم يكن يومًا نادياً يُقاس فقط بالنقاط. إنه مرآة جماعية، تعكس كيف يُمكن لجماعة أن تُحب فكرة، وأن تُقاتل من أجل استمرارها، حتى حين لا تنتصر.

ولهذا، حين نسأل: لماذا لا تموت الأندية العريقة؟ يكون الجواب في شباب المحمدية. لأنه ما دامت المدينة تتنفس، فإن هذا الفريق سيظل حيًّا. في الذاكرة، في الأغنية، في القصة، وفي الحلم.

✒️ الخاتمة: من ذاكرة الأمس إلى آمال الغد

في تاريخ المدن، هناك فصول لا تُكتب بالحبر، بل تُسجّل في الوجدان. وقصة شباب المحمدية واحدة من تلك الحكايات التي يتردد صداها بين أزقة الأحياء، ونبضات الجماهير، ودموع الملاعب.

من “فضالة” الحيّ الصغير، إلى “المحمدية” المدينة الصناعية الحديثة، كان الفريق مرآةً لتحوّلات المجتمع، وانعكاسًا لروح الناس البسطاء الذين وضعوا حبهم الصافي في قميص أحمر وأسود، فصار رمزًا.

سيرة النادي ليست خطًّا بيانيًا صاعدًا أو نازلًا، بل هي نسيج معقّد من الفرح والانكسار، من المجد والسقوط، من البطولة والخذلان. لكنها في كل مراحلها، كانت صادقة، شريفة، تنبض بما هو أكثر من كرة… تنبض بما يجعل من نادٍ صغير، ذاكرة وطنية كبرى.

اليوم، وبعد موسم الانكسار، تقف المحمدية على مفترق طرق. إما أن تترك ناديها يتآكل في صمت، أو أن تنهض به من جديد، كما فعلت مرارًا في الماضي. إعادة البناء تبدأ من الاعتراف، ثم الرؤية، ثم العمل الصبور النزيه. وتستمر فقط حين يكون الهدف أسمى من الألقاب، وهو: إحياء روح الفريق في قلوب الناس.

قد لا تعود أيام فرس، ولا أمجاد السبعينيات، لكن يمكن خلق أمجاد جديدة، مختلفة، تُكتب بأقدام شابة، وإرادة صلبة، ووفاء لا يتغير.

لأن شباب المحمدية لم يكن يومًا مجرد نادٍ… بل كان، وسيظل، قصة مدينة تحب الحياة على طريقتها الخاصة.

أضف تعليق