هل يمكن التنبؤ بالزلازل في المغرب؟ بين العلم والتحدي

✍️ إعداد: histoiredumaroc.com – حين يلتقي التاريخ بالعلم في أرض المغرب

🧭 مقدمة

عقب كل زلزال يضرب المغرب، تتردد الأسئلة في الشارع والمجالس وعلى وسائل التواصل:
ألم يكن بالإمكان التنبؤ به؟ لماذا لم تحذرنا الجهات المختصة؟ هل هناك من يعرف ويسكت؟

هذه الأسئلة ليست جديدة، ولا تخص المغرب وحده، بل تُطرح في كل دولة تقع في نطاق الزلازل. ولكن بين الأسطورة والعلم، وبين الأمل والمستحيل، تقع الحقيقة العارية: التنبؤ الدقيق بالزلازل ما يزال أحد أكبر التحديات العلمية في العصر الحديث.


🌍 المغرب فوق خط الزلازل: الجغرافيا المعقدة

المغرب يقع على الحد الفاصل بين الصفيحة الإفريقية والصفيحة الأوراسية، ما يجعله معرضًا لهزات أرضية متفاوتة الشدة.
المنطقة الشمالية (الريف، الحسيمة، الناظور) والأطلس الكبير (مراكش، الحوز، ورزازات) هما الأكثر عرضة للهزات.

لكن المشكلة لا تكمن فقط في النشاط التكتوني، بل في تعقيد البنية الجيولوجية: الصدوع غير الظاهرة، والأنظمة الزلزالية “الصامتة” التي لا تظهر نشاطًا واضحًا قبل أن تنفجر فجأة، كما حدث في زلزال الحوز 2023.


🧪 ما الفرق بين التنبؤ والرصد؟

لفهم الإشكالية، لا بد من التمييز بين مصطلحين أساسيين:

  • الرصد الزلزالي (Surveillance sismique):
    هو تسجيل الهزات الأرضية وتحليلها بعد وقوعها، وهو ما يقوم به المعهد الوطني للجيوفيزياء في المغرب.
  • التنبؤ الزلزالي (Prévision sismique):
    هو القدرة على تحديد موعد ومكان وقوة الزلزال قبل وقوعه، وهذا ما لا يمكن تحقيقه بعد بأي وسيلة دقيقة علميًا، لا في المغرب ولا في أي دولة.

🔬 ماذا تقول الأبحاث العالمية؟

رغم التقدم الهائل في علوم الأرض، لم يتمكن العلماء حتى الآن من تطوير نموذج موثوق للتنبؤ بالزلازل. معظم الأساليب الحالية تعتمد على:

  • تحليل سلوك الصدوع على مدى سنوات.
  • رصد النشاطات الزلزالية الدقيقة (microseismicité).
  • قياس تغيرات في الغازات الجوفية أو سلوك الحيوانات.

لكن جميع هذه المؤشرات غير مؤكدة، وتُظهر معدلات تنبؤ خاطئة مرتفعة.
في الصين، حاولت الدولة تنفيذ نظام إنذار في السبعينات، لكن النتائج كانت مضللة.
وفي اليابان، رغم وجود واحدة من أقوى شبكات الرصد، لم يتمكنوا من التنبؤ بزلزال توهوكو 2011 الذي أحدث كارثة فوكوشيما.


📡 الوضع في المغرب: مراقبة لا تنبؤ

يمتلك المغرب شبكة مكوّنة من أكثر من 150 محطة للرصد الزلزالي، يديرها المعهد الوطني للجيوفيزياء، التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني.
هذه المحطات قادرة على:

  • رصد الزلازل فور وقوعها.
  • إرسال تقارير فورية إلى السلطات والإعلام.
  • تحليل الأنماط الجيولوجية على المدى الطويل.

لكنها لا تملك أدوات إنذار مبكر مثل تلك الموجودة في اليابان أو المكسيك، التي تعتمد على تكنولوجيا “الفرق الزمني بين الموجة الابتدائية P والموجة المدمرة S”، لإرسال تحذيرات قبل ثوانٍ معدودة من الهزة الكبرى.


⚠️ هل الإنذار المبكر ممكن في المغرب؟

تقنيًا، نعم، عبر اعتماد نظام بسيط نسبيًا، يُسمى EEWS (Earthquake Early Warning System)، يُركّب في المناطق المعرضة للهزات.
هذا النظام لا يمنع الزلزال، لكنه:

  • يعطي تحذيرًا قبل ثوانٍ أو عشرات الثواني.
  • يتيح قطع الكهرباء والغاز قبل الكارثة.
  • يُرسل تنبيهات فورية للهاتف والإنترنت.

لكن ذلك يتطلب:

  • تمويلًا ضخمًا.
  • تغطية كاملة للمناطق الهشة.
  • بنية رقمية قوية.

وهذا ما لم يتحقق بعد في المغرب، رغم تصاعد الدعوات لتركيبه بعد زلزال الحوز.


👥 لماذا يشعر الناس أن الزلزال “تم التنبؤ به”؟

غالبًا ما تُتداول إشاعات بأن الزلزال كان معروفًا لدى البعض، أو أن “العلماء سكتوا”.
السبب في ذلك يعود إلى:

  • تشابه الأنماط الزلزالية أحيانًا في نفس المناطق.
  • تفسيرات خاطئة لأبحاث علمية تُعنى بالاحتمالات الإحصائية وليس بالتنبؤ الدقيق.
  • تداول خرائط “مناطق الخطر” على أنها خرائط “للمواعيد”.

إضافة إلى أن الإعلام غير المتخصص يخلط أحيانًا بين التوقعات العامة والتحذيرات الرسمية، مما يُربك المواطنين.


📚 ماذا عن الزلازل في الذاكرة الشعبية المغربية؟

في الموروث الشعبي، لطالما ارتبط الزلزال بمفاهيم غيبية: “غضب من الله”، “علامة نهاية الزمان”، أو “إنذار من الأرض”.
بعض الفلاحين في الأطلس يؤكدون أنهم يشعرون بالزلزال قبل وقوعه، بناءً على سلوك الطيور أو الكلاب، أو رائحة غريبة في الهواء.
رغم أن العلم لم يثبت هذا بعد، إلا أن هذه الشهادات تفتح الباب أمام إدماج العلم بالملاحظة المجتمعية، ضمن منظومة استشعار شاملة.


🏗️ الوقاية بدل التنبؤ: فلسفة مواجهة الزلازل

بما أن التنبؤ غير ممكن حاليًا، فالحل الوحيد هو:

  1. بناء مقاوم للزلازل، في المدن والقرى.
  2. ثقافة مجتمعية للنجاة (تدريبات، توعية، إسعافات).
  3. أنظمة استجابة طارئة فعالة.
  4. إدماج المعطيات الجيولوجية في التخطيط العمراني.

فالوقاية هي علم “ما قبل الكارثة”، والتنبؤ هو رهان “اللحظة المستحيلة”.


✒️ خاتمة: بين الواقع والعلم… والزمن

في النهاية، لا توجد دولة في العالم قادرة اليوم على إخبارك متى وأين سيقع الزلزال التالي بدقة.
لكن يمكن للمغرب أن يقلل الخسائر بشكل كبير إذا ما استثمر في العلم، والبنية، والإنسان.
فليس الخطر في الزلزال ذاته، بل في ضعف استعدادنا له.
وفي وطن عاش عبر قرونه بين الزلزال والتجدد، ربما تكون أفضل نبؤة، هي أن نتعلم مما مضى… ونبني لما سيأتي.

أضف تعليق