🌍 1. مقدمة: عندما ارتجّت الأرض تحت أقدام الأطلس
ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023 لم تكن ليلة عادية في جبال الأطلس الكبير. كان الهدوء يخيّم على قرى نائية وبيوت طينية دافئة اعتادت على سكون الليل، قبل أن تستيقظ فجأة على رجّة عنيفة لم ترحم الأرض ولا من عليها. في دقائق معدودة، سقطت منازل، وانهارت طرق، وخمدت أرواح تحت الأنقاض… وبدأ فصل جديد في ذاكرة المغرب عنوانه: زلزال الحوز.
الزلزال لم يكن مجرد حدث طبيعي، بل كان لحظة مفصلية في وعي المغاربة، أعادت إلى الأذهان صورًا من زلزال أكادير 1960، وزلزال الحسيمة 2004، لكنها جاءت هذه المرة وسط قرى معزولة ووعرة، حيث الكارثة لا تعني فقط الموت، بل أيضًا العزلة، والجوع، والبرد، والانتظار الطويل للمساعدة.
لم يضرب الزلزال مدينة واحدة، بل مسّ أعماق الوطن الجبلي والإنساني. من أوريكة إلى تاليوين، من أمزميز إلى شيشاوة، ومن قرى الحوز إلى قلب مراكش، ارتجّت الأرض، وانفتح الجرح.
لكن وسط هذا الدمار، نهض شيء آخر: تضامن غير مسبوق، شعبي ورسمي، محلي ودولي، كأن الكارثة رغم قسوتها، أيقظت أجمل ما في هذا الوطن من إنسانية وقدرة على التماسك.
هذا المقال يروي ما جرى، ليس فقط بالأرقام، بل بالأصوات والوجوه والقصص، لنفهم كيف يسقط جزء من الوطن، وكيف ينهض من تحت التراب، بكرامة جباله، وصلابة ناسه.
🕰️ 2. الجمعة 8 شتنبر 2023: اللحظة التي توقّف فيها الزمن
كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة و11 دقيقة ليلاً حين دوّى صوت داخلي عميق في أعماق الأرض، تلاه اهتزاز سريع، لكنه لا يُشبه شيئًا مما عهدته ساكنة الحوز. ارتجّت الجدران، انقلبت الأفرشة، سقطت الأسقف، وساد الظلام… في لحظة واحدة، توقّف الزمن، وسقطت القرية تلو الأخرى، بيتًا تلو بيت، حياةً تلو حياة.
بحسب المعهد الوطني للجيوفيزياء، فإن مركز الزلزال كان على بعد حوالي 70 كيلومترًا جنوب غرب مدينة مراكش، وبالضبط في منطقة إيغيل التابعة لإقليم الحوز، وهي منطقة جبلية ذات تضاريس وعرة. قوة الزلزال بلغت 6.8 درجات على سلم ريختر، وهي من أعلى الدرجات المسجلة في تاريخ المغرب الحديث.
لكن الأخطر لم يكن فقط في شدّته، بل في سطحية مركزه (على عمق 8 كيلومترات فقط)، مما جعل تأثيره أكثر فتكًا، خاصة في القرى المبنية من الطين والحجر غير المسلح، دون أعمدة إسمنتية، ودون بنية تحتية قادرة على الصمود.
في تلك اللحظة، لم يكن في الحوز إنترنت، ولا تغطية هاتفية في بعض المناطق. لم يعلم أحد ما يحدث بالضبط. في مراكش، اهتزت المدينة العتيقة وسقطت أجزاء من السور التاريخي، وبدأ الناس يخرجون إلى الساحات والشوارع في حالة من الذعر.
لكن في الجبال، كانت الكارثة أكبر من الذهول: القرى تهاوت بصمت، تحت الليل، في عزلة تامة.
لحظات قليلة بعد الزلزال، بدأت وسائل الإعلام العالمية تتحدث عن “هزة قوية في المغرب”، لكن البلاد لم تكن تعرف بعد أن الأمر أبعد من هزة… إنها مأساة وطنية ستُسجَّل إلى الأبد في ذاكرة الأرض والناس.
📊 3. قوة الزلزال وأبعاده الجيولوجية
سجّل زلزال الحوز قوة بلغت 6.8 درجات على مقياس ريختر، مما جعله أقوى زلزال يضرب المغرب منذ بداية التسجيلات العلمية الدقيقة، متجاوزًا في شدته حتى زلزال أكادير سنة 1960 الذي بلغت قوته 5.7 درجات، وزلزال الحسيمة 2004 الذي سُجّل بـ 6.3 درجات.
لكن خطورة زلزال الحوز لم تكمن في رقمه فقط، بل في موقعه الجيولوجي وطبيعته السطحية. فمركز الهزة الأرضية كان في منطقة جبلية آهلة بالسكان، ومبنية في الغالب بتقنيات تقليدية، دون أعمدة داعمة أو أساسات مقاومة للهزات، ومعظم المنازل مكونة من طين وحجارة خام، ما جعلها تنهار بالكامل لحظة الاهتزاز.
جيولوجيًا، تقع منطقة الحوز على هامش التقاء الصفيحة الإفريقية مع الصفيحة الأوراسية، وهي منطقة تُعرف بنشاطها الزلزالي الدوري، خصوصًا عبر صدوع موازية لسلسلة الأطلس الكبير. ويُعتقد أن الزلزال جاء نتيجة انزلاق مفاجئ على طول أحد هذه الصدوع العميقة، مما أدى إلى موجة اهتزاز شعرت بها مناطق واسعة من المغرب، وصولًا إلى الدار البيضاء، فاس، ومكناس.
الهزة الرئيسية تبعتها أكثر من 25 هزة ارتدادية خلال الأيام الثلاثة الأولى، تراوحت بين 3.5 و5.4 درجات، زادت من قلق السكان، وأبطأت جهود الإنقاذ، وأجبرت الكثيرين على قضاء ليالٍ متتالية في العراء.
يؤكد خبراء الزلازل أن قوة هذا الزلزال ووقعه الكارثي كانت متوقعة نظريًا، لكنها جاءت دون إنذار مسبق، بسبب غياب شبكة إنذار مبكر متطورة في المغرب، رغم تحذيرات سابقة من أن بعض مناطق الأطلس تُعد “قنابل زلزالية” نائمة.
هذا الزلزال، من حيث الجيولوجيا، ليس نهاية السلسلة، بل تذكير قاسٍ بأن المغرب بلد زلزالي، وأن الزلازل الكبرى يمكن أن تعود في أي لحظة، دون استئذان.
🏞️ 4. المناطق الأكثر تضررًا: من جبال الأطلس إلى مراكش
رغم أن مركز الزلزال كان في منطقة جبلية محددة، إلا أن دائرة الدمار امتدت على عشرات الكيلومترات، وشملت عدة أقاليم وجهات، مما جعل زلزال الحوز 2023 ليس فقط “كارثة محلية”، بل مأساة وطنية واسعة النطاق.
🔴 إقليم الحوز: مركز الزلزال والوجع
كان الحوز هو الأكثر تضررًا. قرى بأكملها اختفت عن الوجود مثل:
- إيغيل: مركز الزلزال، شهد انهيارًا شبه كامل للمنازل والبنية التحتية
- تافغغوست، أموكر، أداسيل، تلات نيعقوب: قرى جبلية صعبة الوصول، قُطعت عنها الطرق وانعزلت تمامًا في الساعات الأولى
- أمزميز: بلدة تأثرت بقوة، خاصة في أحيائها القديمة، وسُجّل فيها عدد كبير من الضحايا
🟠 إقليم تارودانت: دمار صامت في أعالي الجبال
في بعض دواوير تارودانت الواقعة على حدود الحوز، سُجلت انهيارات صخرية وانهيار بيوت طينية بالكامل، خاصة في:
- إيغرم، تافراوت ن أيت أوغديم، أساكي
- صعوبة التضاريس أخرت وصول فرق الإغاثة، مما فاقم المأساة
🟡 شيشاوة وورزازات: صدى الجبال
- قرى مثل إيمينتانوت وتيكندوين، شهدت أيضًا انهيارات، وإن كانت بدرجة أقل من الحوز
- بعض المناطق في ورزازات عرفت تشققات في المباني وظهور تصدعات على مستوى الطرق
🟢 مراكش: حين ترتجف المدينة الحمراء
رغم بُعدها النسبي، تأثرت مراكش بالزلزال، خصوصًا:
- المدينة العتيقة: أجزاء من السور التاريخي تضررت، وسقطت بعض المنازل القديمة
- جامع الفنا: سُجلت تشققات في بعض البنايات المجاورة
- سادت حالة هلع في الشوارع، وبات آلاف المواطنين ليلتهم في العراء
🗺️ خريطة الخسائر
وفق المعهد الوطني للجيوفيزياء، فإن الهزات شملت 6 جهات بدرجات متفاوتة، وشعر بها الملايين من السكان.
لكن أقصى الدمار كان حيث التهم الجبل أبناءه: مناطق معزولة، هشّة، بعيدة عن الضوء، لكنها تحمل في طيّاتها قلب المغرب الحقيقي.
🏚️ 5. حصيلة الضحايا والخسائر: أرقام تتحدث بمرارة
بعد ساعات من الصدمة، بدأت تتوالى الأخبار من مناطق الكارثة، وكل خبر كان أثقل من سابقه. القرى التي لم تعد تُجيب، المنازل التي صارت أطلالًا، والعائلات التي اختفت كاملة تحت الأنقاض… وكلما تَقدّم الوقت، ازداد وضوح الفاجعة.
📉 حصيلة الضحايا البشرية
بحلول منتصف شتنبر 2023، أعلنت وزارة الداخلية أن:
- عدد القتلى تجاوز 2,900 شخص، أغلبهم من سكان إقليمي الحوز وتارودانت
- أكثر من 5,600 جريح، بينهم حالات خطيرة تتطلب نقلًا جويًا إلى مستشفيات مراكش وأكادير
- مئات المفقودين، خاصة في القرى الجبلية التي انهارت بالكامل
المأساة كانت أكبر في بعض الأسر التي فقدت كل أفرادها دفعة واحدة. وعُثر على جثث كثيرة متجمدة، بفعل قضاء الضحايا ساعات طويلة تحت الركام في البرد، ليلاً، دون إنقاذ.
🏗️ خسائر مادية وبنية تحتية
- أكثر من 50,000 مسكن تضررت أو دُمّرت كليًا
- انهيار مدارس ومساجد ومراكز صحية قروية بالكامل
- تضرر الطرق والمسالك الجبلية، ما جعل الوصول إلى بعض القرى مستحيلًا لعدة أيام
- تشقق أو سقوط أجزاء من مواقع أثرية في مراكش وتارودانت، مما أثار قلق اليونسكو
🧭 خسائر لا تُقاس بالأرقام
وراء كل رقم كان هناك اسم، وجه، قصة. عجوز ماتت تحت أنقاض مسجد، أم وُجدت تحت الحجارة وهي تحتضن طفلها، شيخ قضى حياته في الجبل ومات فيه كما عاش…
الخسارة كانت حضارية وإنسانية في آنٍ واحد: موت الجدران، وموت الذاكرة، وموت الحلم بمستقبل أكثر أمنًا.
لم يكن الزلزال مجرد رقم على سلم ريختر، بل زلزالًا في وجدان المغاربة، وفي عدالة التنمية، وفي قيمة الإنسان حين يُترك في الهامش.
🎤 6. شهادات من تحت الأنقاض: أصوات لا تُنسى
في كل كارثة، هناك أرقام… وهناك وجوه. وفي زلزال الحوز، لم تكن الشهادات مجرد حكايات، بل صرخات ذاكرة خرجت من بين الأنقاض، محمّلة بالغبار والخوف والدهشة، تقول للعالم: “كنا هناك… وما زلنا هنا”.
🧕 “كنت أسمع أختي تبكي تحت الركام، ثم صمتت”
تروي فاطمة، فتاة من قرية إيغيل، كيف وجدت نفسها تحت الحجارة، لا ترى شيئًا سوى الغبار، وتسمع صوت أختها الصغرى تستغيث.
“بقيتُ 12 ساعة تحت الأنقاض، دون ماء أو هواء كافٍ. كنت أسمع أختي تبكي… ثم توقّف الصوت. لم أعد أعرف إن كنت في حلم أم موت.“
👨🌾 “ركضتُ… ثم التفتُّ فوجدت بيتي قد اختفى”
الحاج علي، فلاح سبعيني من تلات نيعقوب، كان يجلس خارج بيته ليلة الزلزال. يقول:
“هزّ الأرض رجلي، فقفزتُ. حين نظرتُ خلفي، لم أعد أرى المنزل… فقط كومة تراب. كان فيه ابني وزوجته وطفلهم. لم أجدهم إلا في اليوم الثالث.“
🚨 “أنقذنا بأيدينا… والضوء هو ضوء القمر”
رجل إنقاذ من الوقاية المدنية روى أنهم وصلوا إلى قرية معزولة سيرًا على الأقدام بعد أن انسدت الطرق، وبقوا ساعات وهم يُخرجون الناجين بأدوات بدائية.
“ما كان عندنا لا كهرباء، لا معدات كافية… فقط القلوب والعزيمة. وجدنا أطفالًا أحياءً وسط الجثث. وكلما أنقذنا شخصًا، كان كأننا أخرجنا الوطن كله.“
👧 “المدرسة طاحت… وبقينا نرسم الأرض بالحجر”
طفلة من دوار في تارودانت وصفت كيف فقدت أصدقاءها في انهيار المدرسة، لكنها عادت بعد أيام لترسم على الأرض قصة الزلزال.
“كنتُ نرسم شجرة، وكتبت سميتي، وبديت نغني باش ما نبكيش.“
هذه الشهادات لم تُروَ في نشرات الأخبار الرسمية. خرجت من الحناجر مباشرة، دون ترتيب، لكنها صادقة، دامعة، خالدة.
هي الوجه الإنساني للزلزال، وهي أيضًا ما سيبقى بعد أن تُمحى الركام وتُبنى البيوت من جديد.
🆘 7. استجابة الدولة والمجتمع المدني: تعبئة وطنية غير مسبوقة
رغم أن الزلزال ضرب فجأة، وسط الجبال الوعرة وفي جنح الليل، إلا أن ردة الفعل التي تلت الكارثة كانت استثنائية على كل المستويات. في ساعات قليلة، بدأت ملامح تعبئة وطنية شاملة تتكوّن، جمعت بين مؤسسات الدولة، الجيش، المجتمع المدني، والمواطنين العاديين، في صورة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ المغرب المعاصر.
🇲🇦 تدخل ملكي سريع وحاسم
في اليوم الموالي للكارثة، ترأس الملك محمد السادس اجتماعًا طارئًا للقصر الملكي بالرباط، بحضور وزراء ومسؤولين سامين، خصّص بالكامل لتقييم الوضع وتوجيه التعليمات العاجلة:
- إرسال مساعدات ميدانية فورية
- تعبئة القوات المسلحة الملكية للمشاركة في عمليات الإنقاذ والإجلاء
- تفعيل “صندوق تدبير الكوارث”
- إعلان الحداد الوطني لمدة 3 أيام، مع تنكيس الأعلام على المباني الرسمية
🪖 الجيش: في الصفوف الأولى
بسرعة، نُشرت وحدات من الجيش المغربي في المناطق المنكوبة، مزودة بمروحيات، معدات ثقيلة، ومراكز طبية متنقلة. لعبت القوات المسلحة الملكية دورًا محوريًا في:
- فتح الطرق المقطوعة نحو القرى الجبلية
- إقامة مستشفيات ميدانية في الحوز وتارودانت
- توفير الإيواء المؤقت والغذاء للمواطنين
- الإجلاء الجوي للحالات الحرجة نحو مستشفيات مراكش وأكادير
💪 المجتمع المدني والشعب المغربي: موجة تضامن تاريخية
من اليوم الأول، انطلقت حملة تبرعات ضخمة في كل المدن:
- قوافل مساعدات من طنجة إلى كلميم
- تبرعات بالدم فاقت التوقعات في مراكش والدار البيضاء
- حملات جمع الملابس، الأغطية، الأدوية، والخيام
- مغاربة الداخل والخارج فتحوا بيوتهم، جيوبهم، وصفحاتهم لدعم المتضررين
🕌 دور المساجد والزوايا
تحولت بعض المساجد إلى مراكز إيواء، وتم تنظيم صلوات الغائب، ودعوات جماعية لرفع البلاء. كما قامت زوايا صوفية مشهورة في الجنوب بجمع مساعدات وتوجيهها مباشرة إلى المحتاجين.
ما حدث بعد الزلزال لم يكن مجرد “رد فعل إداري”، بل يقظة وطنية جماعية، قالت للعالم:
“قد تسقط بيوتنا، لكن لا يسقط بعضنا عن بعض.”
🛰️ 8. المساعدات الدولية: العالم يتضامن مع المغرب
في أقل من 24 ساعة من وقوع الزلزال، بدأت برقيات التضامن والنداءات الإنسانية تتدفّق على المغرب من كل بقاع العالم. فالمأساة التي ضربت جبال الأطلس لم تُحرك فقط مشاعر المغاربة، بل هزّت ضمير العالم بأسره، لتُعلن دول ومنظمات وشعوب دعمها الكامل للمملكة في واحدة من أصعب لحظاتها.
🌍 دول ساندت المغرب على الفور
عدد من الدول سارعت إلى عرض مساعداتها رسميًا، منها:
- فرنسا 🇫🇷: قدّمت فرقًا متخصصة في البحث تحت الأنقاض، إلى جانب مساعدات طبية وإنسانية
- إسبانيا 🇪🇸: أرسلت فرَق إنقاذ مدربة، وطائرات مجهزة لنقل الجرحى
- المملكة المتحدة 🇬🇧: عرضت وحدات تدخل سريعة ومساعدات لوجستية
- الإمارات وقطر والسعودية 🇦🇪 🇶🇦 🇸🇦: بعثت مساعدات عاجلة، منها مستشفيات ميدانية وطواقم طبية
- الجزائر 🇩🇿: رغم التوترات السياسية، عبّرت عن استعدادها لتقديم المساعدة، وأعلنت فتح مجالها الجوي أمام طائرات الإغاثة
- الولايات المتحدة، الصين، تركيا، تونس، الأردن… كلها عبّرت عن التضامن وعرضت أشكالًا مختلفة من الدعم
🤝 منظمات دولية تدخلت بسرعة
- الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر ساعدا في التنسيق وتوفير المواد الأساسية
- اليونيسف تدخلت لتقديم دعم نفسي وتعليمي للأطفال المتضررين
- برنامج الغذاء العالمي WFP أرسل شحنات تموينية إلى المناطق المعزولة
- اليونسكو عبّرت عن قلقها من تضرر مواقع تاريخية في مراكش، وعبّرت عن استعدادها للمساهمة في الترميم
⚠️ جدل محدود حول قبول المساعدات
أثار القرار المغربي بقبول عدد محدود من عروض المساعدة في الأيام الأولى نقاشًا إعلاميًا دوليًا. لكن السلطات أكدت أن الأولوية كانت للتنسيق وتجنّب الفوضى، موضحة أن استضافة عشرات الفرق الأجنبية في منطقة جبلية معقدة قد يُربك عمليات الإنقاذ بدل دعمها.
🌐 تضامن شعبي عالمي
عبر منصات التواصل، انتشرت هاشتاغات مثل:
#PrayForMorocco #MoroccoEarthquake #SolidaritéMaroc
وتم إطلاق حملات تبرعات على منصات مثل GoFundMe وJustGiving، جمعت ملايين الدولارات في أيام قليلة.
كان زلزال الحوز رسالة للعالم، وجاء رد العالم واضحًا:
“لسنا وحدنا في الألم… الإنسانية لا تعرف حدودًا حين تناديها الأرض.”
🏗️ 9. إعادة الإعمار: تحديات البناء في الجبال
ما إن هدأ الغبار وارتفعت جرافات الإنقاذ، حتى بدأت مرحلة جديدة في مأساة الحوز: مرحلة إعادة البناء. لكنها لم تكن مجرد عملية عمرانية تقنية، بل كانت امتحانًا وطنيًا للعدالة المجالية، والاستدامة، واحترام ذاكرة الناس والأرض.
🏘️ برنامج وطني واسع لإعادة الإعمار
بتعليمات ملكية، أُطلق برنامج وطني ضخم يهدف إلى:
- إعادة إعمار البيوت المنهارة بمواصفات حديثة مقاومة للزلازل
- دعم مباشر للأسر المتضررة بقيمة 30,000 درهم كدعم فوري و140,000 درهم لإعادة البناء
- تأهيل الطرق والمسالك الجبلية، والبنية التحتية الصحية والتعليمية
- تخصيص 120 مليار درهم على مدى خمس سنوات ضمن رؤية متكاملة للتنمية في المناطق الجبلية
📐 معايير هندسية جديدة… ولكن؟
رغم وضوح الإرادة السياسية، إلا أن إعادة البناء في منطقة جبلية مثل الحوز ليست مهمة سهلة:
- تضاريس وعرة تصعّب نقل مواد البناء
- تباعد القرى يجعل التنسيق اللوجستي معقدًا
- غياب مقاولي بناء محليين مؤهلين يطرح تحديًا على جودة التنفيذ
وتعهدت الدولة ببناء بيوت تحترم الطابع المعماري الأمازيغي المحلي، باستخدام مواد حديثة لكن بتصاميم لا تمحو هوية المنطقة. وهو توازن صعب بين الأصالة والسلامة، بين الذاكرة والتقنية.
🛑 تخوفات مشروعة
كثير من سكان القرى عبّروا عن قلقهم من:
- التأخير في صرف الدعم
- وعود لا تتحقق على الأرض
- بناء “نُسَخ إسمنتية” بلا روح تُشبه مدن الإسكان، لا قرى الأطلس
وتساءل البعض:
“هل سنعود إلى بيوتنا كما كانت؟ أم سنعود فقط إلى جدران لا تشبهنا؟”
🤲 إعادة الإعمار كفعل إنساني قبل أن يكون عمرانيًا
المطلوب اليوم ليس فقط إسمنت وحديد، بل إنصات، احترام، وعدالة.
فالناس لا يريدون فقط سقفًا، بل أن يشعروا أن الدولة تراهم، وتحترم طريقتهم في العيش، وتمنحهم الأمان دون أن تنتزع منهم جذورهم.
📚 10. المدرسة بعد الزلزال: التلاميذ بين الفقد والأمل
كان صباح الاثنين 11 شتنبر 2023، أول يوم دراسي بعد الزلزال، مختلفًا تمامًا عن كل صباح عرفته جبال الحوز. لم يذهب الأطفال إلى فصولهم، لأن الفصول سقطت، والسبورة تحوّلت إلى غبار، والحقائب المدرسية ما تزال تحت الأنقاض… لقد خسر التعليم ملامحه في ليلة واحدة.
🏫 مدارس مدمَّرة وأجيال مهدَّدة
وفق وزارة التربية الوطنية:
- دُمّرت أكثر من 500 مؤسسة تعليمية بالكامل أو جزئيًا
- أُغلقت العشرات من الداخليات ودُور الطالب، ما زاد من عزلة التلاميذ
- تُوفي عدد من الأطر التربوية والتلاميذ، خاصة في قرى إيغيل وتافغغوست وتيكندوين
لم يكن الأمر يتعلق فقط ببناء مهدوم، بل بـ صدمة جماعية لأطفال فقدوا أساتذتهم، وأصدقاءهم، وإحساسهم بالأمان المدرسي.
⛺ المدرسة في الخيام… والقلوب مفتوحة
استجابت الدولة والمجتمع بسرعة بإطلاق نموذج “المدرسة المؤقتة”:
- تم نصب خيام تعليمية مجهزة في مراكز جماعية وقروية
- تم توزيع كتب، دفاتر، ولوحات إلكترونية على المتضررين
- أساتذة متطوعون، ومعلمون تم تنقيلهم مؤقتًا من جهات أخرى، أعادوا الأمل للناشئة
- شُرع في تأهيل نفسي جماعي للأطفال بدعم من أخصائيين ومربين متطوعين
قالت طفلة من دوار “أداسيل”:
“بغيت نرجع نقرا، حتى لو تحت شجرة. المدرسة ماشي غير حروف، المدرسة كتنسّيني الزلزال.“
🧠 التعليم كحقّ وكعلاج نفسي
إعادة فتح المدارس، حتى بشكل مؤقت، لم تكن فقط ضرورة تربوية، بل وسيلة للاستقرار النفسي. فالأطفال الذين فقدوا بيوتهم، وناموا في العراء، وجدوا في المدرسة مساحة أمل، ولحظة عودة إلى الإيقاع الطبيعي للحياة.
لكن التحديات مستمرة:
- كيف نضمن استمرار التعليم في قرى مهددة دائمًا بالعزلة؟
- كيف نعيد بناء مدارس بمواد مقاومة، دون أن تكون غريبة عن المحيط؟
- كيف نعلّم أطفال الزلازل أن المستقبل لا يرتجف؟
🧠 11. الزلازل والذاكرة الوطنية: من أكادير إلى الحوز
ليست هذه المرة الأولى التي تهتز فيها أرض المغرب بهذا الشكل العنيف. فمنذ زلزال أكادير 1960، ومرورًا بـالحسيمة 2004، ثم زلزال الحوز 2023، تشكّلت في وجدان المغاربة ذاكرة زلزالية جماعية، تتراكم فيها صور الأنقاض، وأصوات الضحايا، وردود الفعل المتباينة للدولة والمجتمع.
لكن السؤال الأهم ظلّ يطرح نفسه بعد كل فاجعة:
هل نتعلّم من الزلازل؟ أم ندفن الدرس مع الجثث؟
📉 من أكادير إلى الحوز… خط زلزالي وطني
- زلزال أكادير دمّر مدينة ساحلية حضرية وأدى إلى إعادة تصور التخطيط الحضري
- زلزال الحسيمة فضح ضعف البنية التحتية في الشمال الجبلي
- أما زلزال الحوز، فقد هزّ أعماق المغرب القروي المهمَّش، حيث لا مخططات احتياطية، ولا إنذارات مبكرة، ولا بنى مضادة للهزات
ثلاث كوارث، وثلاثة نماذج من الفقد… لكن إلى اليوم، ما يزال المغرب دون نظام إنذار زلزالي فعال، ودون ثقافة جماهيرية واسعة للوقاية والتأهب.
📚 غياب في المدرسة والإعلام
البرامج المدرسية نادرًا ما تذكر هذه الزلازل، وكأنها أحداث غريبة لا تخص الأجيال الجديدة. وحتى الإعلام العمومي، بعد انطفاء الكارثة، يعود إلى برامجه العادية، تاركًا الذاكرة في الهامش.
لكن في قرى الحوز، الأطفال باتوا يعرفون معنى “الزلزال”… لا من الكتب، بل من فقد الأحباب.
🧱 الذاكرة كأداة وقاية
ما يحتاجه المغرب اليوم هو تحويل هذه الكوارث إلى ذاكرة حيّة وناطقة:
- إدماج دروس الزلازل في المناهج التعليمية
- تنظيم تدريبات دورية للإنقاذ في المدارس والإدارات
- تعزيز ثقافة الهندسة المقاومة، لا فقط بالقانون، بل بالوعي والرقابة
فلا يكفي أن نُعيد الإعمار… بل يجب أن نبني الذاكرة، ونحصّنها ضد النسيان، لأن الزلازل لا تقتل فقط بالجدران، بل أيضًا بالجهل والتكرار.
📝 12. الخاتمة: حين تزلزلت الأرض… وانهضت القلوب
زلزال الحوز 2023 لم يكن مجرد كارثة طبيعية عابرة. لقد كان امتحانًا جماعيًا للروح المغربية، امتحانًا بدأ تحت الأنقاض، لكنه امتد إلى قيم التضامن، والعدالة، والقدرة على الوقوف من جديد.
سقطت الجبال، لكن لم تسقط عزيمة سكانها. تهاوت القرى، لكن سُمع منها دعاء الحياة بدل أنين الاستسلام. رأينا بأعيننا كيف ينام المغرب المنسي على الأرض، لكنه يصحو على حضن وطن كامل.
كان المشهد قاسيًا، لكنه صادقًا: مواطنون يرفعون الأنقاض بأيديهم، وجنود ينقلون أطفالًا ملفوفين بالأمل، ونساء يُطعمن الجيران قبل أن يصل إليهن الغذاء.
هذا الزلزال كشف أيضًا الثغرات: ضعف البنية، هشاشة القرى، بطء التخطيط، غياب الإنذار… لكنه كشف أيضًا القوة الكامنة في المغاربة حين تجتمع قلوبهم قبل مؤسساتهم.
وإذا كانت الجبال لا تبكي، فإن أهلها بكوا، ثم نهضوا، ثم رمّموا البيت، والحرف، والحكاية.
علينا ألا ننسى.
لا فقط لنكرّم الضحايا، بل لكي لا تُهدر تضحياتهم في صمت جديد.
علينا أن نُحوّل الألم إلى وعي، والتضامن إلى سياسة، والكارثة إلى ذاكرة.
زلزال الحوز زلزل الأرض… لكنه أعاد ترتيب القيم.