تاريخ فريق الوداد البيضاوي: من النشأة إلى المجد القاري

🔸 مقدمة

حين يُذكر اسم “الوداد”، لا يُستحضر فقط نادٍ رياضي فاز بألقاب، بل تستيقظ ذاكرة أجيال بكاملها. الوداد البيضاوي ليس مجرد فريق كرة قدم، بل هوية شعبية تشكلت في قلب الدار البيضاء وتوسعت لتصير مؤسسة وطنية رمزية. عبر أكثر من ثمانية عقود، نسج “وداد الأمة” مسيرته بين لحظات مجد كروي وتراجعات، لكنه ظل دائمًا مخلصًا لرسالته الأولى: تمثيل الشعب المغربي في ميادين كان يُراد له فيها أن يكون متفرجًا فقط.

في هذا المقال، نغوص في تاريخ النادي منذ ولادته في أحضان الحماية الفرنسية، مرورًا بسنوات المجد الوطني، وصولًا إلى تتويجاته القارية في العصر الحديث. سنتتبع خيوط الحكاية من النشأة إلى التتويج، من الألم إلى الانتصار، لنفهم لماذا لا يزال الوداد أكثر من مجرد نادٍ… بل حالة وطنية.

🟥 تفاصيل شعار نادي الوداد البيضاوي الرسمي:

العنصرالوصف
🟥 اللون الأحمراللون الرئيسي في الشعار، يرمز إلى التحدي، الشجاعة، والانتماء الوطني.
الكتابة باللون الأبيضتُبرز التوازن والتاريخ، وتُستخدم لكتابة اسم النادي بالعربية بشكل دائري.
📝 الاسم بالعربية:«نادي الوداد الرياضي» مكتوب داخل دائرة حمراء، بخط مغربي تقليدي.
🌍 W.A.Cالأحرف الأولى لاتينية (Wydad Athletic Club)، تُكتب غالبًا في أسفل الشعار أو أعلاه، حسب الإصدار.
🏆 النجومفي بعض الإصدارات الحديثة، توضع نجمة واحدة أو أكثر فوق الشعار، لتمثيل الألقاب القارية، خصوصًا دوري أبطال إفريقيا.
🔴 شكل الشعاردائري بالكامل، وهو أحد أقدم أشكال الشعارات في العالم العربي، مع الحفاظ على البساطة والتاريخية.

🟥 أول تشكيلة لفريق الوداد البيضاوي لكرة القدم (حوالي 1939–1940):

⚠️ تنبيه: بسبب قلة التوثيق الرسمي في تلك الفترة، واختلاط الروايات، فإن بعض الأسماء قد تختلف بين المصادر. لكن هذه القائمة تُعتبر الأقرب وفقًا للتقارير التاريخية وشهادات مؤرخي النادي:

المركزاسم اللاعب
🧤 حارس المرمىمحمد بنجلون
🛡️ مدافععبد القادر الجيلالي
🛡️ مدافعالعربي الزاوي
🛡️ مدافعمحمد التوزاني
⚙️ وسط ميدانعبد السلام زيوال
⚙️ وسط ميدانمحمد بن قاسم
⚙️ وسط ميدانمحمد بنشقرون
🎯 مهاجمالحاج إدريس (قلب الهجوم)
🎯 مهاجمالعربي بندريس
🎯 مهاجممصطفى الملاح
🎯 مهاجمعبد العزيز بوراس

🧾 ملاحظات تاريخية:

  • 🏛️ اللاعبون كانوا من أحياء شعبية مثل درب السلطان والمدينة القديمة، وكانوا يُمثلون روح المقاومة.
  • 🟥 ارتدى الفريق منذ البداية اللون الأحمر، رمزًا للقوة والكرامة الوطنية.
  • 🏟️ كان الفريق يلعب في ملاعب بسيطة، قبل أن يُصبح المركب الرياضي محمد الخامس (فيما بعد) هو معقله الرسمي.
  • ✊ معظم هؤلاء اللاعبين لم يكونوا محترفين، بل موظفين، طلاب، أو حتى حرفيين، يمارسون الكرة كجزء من مشروع نضالي لا ترفيهي.

🏛️ 1. النشأة في زمن الحماية (1937): كرة القدم كأداة مقاومة

في عام 1937، كانت الدار البيضاء تغلي تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، وكانت الملاعب حكرًا على الأندية الأوروبية التي منعت المغاربة من تأسيس فرق تمثلهم. لكن في قلب هذا السياق المشحون، اجتمعت مجموعة من المثقفين والوطنيين المغاربة وعلى رأسهم الحاج محمد بن الحسن التونسي العفاني، المعروف بالقباج، لإحداث تغيير عميق في المعادلة.

هؤلاء المؤسسون لم يرغبوا فقط في تأسيس نادٍ رياضي، بل أرادوا بناء مؤسسة ثقافية وطنية تعكس الروح المغربية وتمنح الشباب وسيلة للتعبير والمقاومة. جرى التفكير أولًا في جمعية ثقافية قبل أن تُضم إليها فرع لكرة الماء (Water Polo)، لأن القوانين الفرنسية آنذاك كانت تمنع تأسيس أندية لكرة القدم يقودها مغاربة. ثم شيئًا فشيئًا، تفرعت الجمعية لتحتضن فرع كرة القدم.

أما الاسم، فقد جاء كما تُروى الحكاية الشعبية من فيلم لأم كلثوم كان يُعرض في السينما وقتها، اسمه “وداد”، فأُعجب المؤسسون بالاسم لما يحمله من دفء وحنين، وقرروا أن يسموا النادي الجديد “الوداد”.

في تلك اللحظة، لم يكن أحد يتصور أن هذا الاسم سيصبح رمزًا في الوجدان المغربي. لكن منذ البداية، كان واضحًا أن الوداد لم يكن مجرد مشروع رياضي، بل فعلًا وطنيًا يردّ الاعتبار لكرامة المغاربة في زمن القهر.

2. الوداد في القسم الحر (1939–1956): الهيمنة الرمزية والرياضية

مع بداية الأربعينيات، دخل الوداد غمار التحدي الرياضي في بطولة تُسمى آنذاك “القسم الحر” – وهي بطولة موازية كانت تُنظم للمغاربة، بعدما ظلّت البطولات الرسمية حكرًا على الأندية الأوروبية بالمغرب. كان ذلك زمنًا يُعامل فيه اللاعب المغربي كمجرد تابع، ولم يكن يُسمح له إلا بلعب الأدوار الهامشية، سواء في الرياضة أو في المشهد العام.

لكن الوداد اختار أن يكون استثناءً.

منذ أولى مبارياته، أظهر الفريق أنه ليس مجرد وافد جديد، بل منافس شرس يفرض أسلوبه وكرامته في الملعب. لم تمضِ سنوات قليلة حتى أصبح الوداد الفريق الأقوى على الساحة المغربية، وتحديدًا في الدار البيضاء، حيث كان يشدّ إليه الأنظار بجمهوره المتزايد وطريقة لعبه الجماعية.

في سنة 1948–1949، حقق الوداد إنجازًا غير مسبوق، إذ فاز بجميع المباريات في موسمه، ما اعتُبر تحديًا صريحًا لمنظومة الاستعمار الرياضي. ومع حلول بداية الخمسينيات، ارتفع صوت الوداد عاليًا، ليُعلن أنه ليس فقط فريقًا ناجحًا داخل الميدان، بل مؤسسة شعبية باتت تُرعب السلطات الاستعمارية بتأثيرها الرمزي.

وكان أبرز انتصار في تلك المرحلة حين شارك الوداد، رغم العراقيل، في البطولة التي كانت تُخصَّص للفرق الأوروبية فقط، وتمكن من إحراجها بنتائجه، بل وكان أول فريق مغربي يُتوج في بطولة كانت إلى وقت قريب مغلقة في وجهه.

تحوّل الوداد بذلك إلى رمز سيادي شعبي، فبينما كانت المقاومات السياسية تنشط سرًّا في الأحياء والجبال، كانت مقاومة “الكرة” تُمارس علنًا أمام الجماهير، والوداد في واجهتها. ولم يكن من الغريب أن يُنادى حينها على الفريق بلقب “وداد الأمة”، لأنه أصبح صوتًا جماهيريًا لكرامة الوطن.

🗽 3. من الاستقلال إلى الاحتراف: بناء هوية نادٍ وطني (1956–1975)

مع فجر الاستقلال سنة 1956، تنفّس المغاربة الصعداء وهم يشهدون ولادة مغرب جديد. لم يكن ذلك مجرد تحول سياسي، بل بداية لكتابة هوية وطنية جديدة في كل المجالات، بما فيها الرياضة. في هذا السياق، لم يكن من المفاجئ أن يُعاد النظر في البطولات الكروية لتنطلق أول نسخة من البطولة الوطنية المغربية، تحت رعاية الدولة المغربية المستقلة.

وكان الوداد، باعتباره رمزًا سابقًا للمقاومة الكروية، من بين الأندية المؤسسة لهذه البطولة، بل وكان أول بطل لها في موسم 1956–1957، في رسالة واضحة مفادها: من قاد النضال تحت الحماية هو نفسه من سيقود المرحلة الجديدة في الاستقلال.

في هذه الفترة، بدأ الوداد في بناء هويته الكروية الحديثة، التي تجمع بين الأداء الفني والانضباط التكتيكي. بروز عدد من اللاعبين المحليين الذين سطع نجمهم، مثل العربي بن مبارك (الذي لعب دوليًا في أوروبا أيضًا) والهزاز، ساهم في إرساء هذه الهوية.

لكن الوداد لم يكتفِ بالدور الرياضي فقط. بل لعب دورًا اجتماعيًا مؤثرًا في الدار البيضاء، حيث تحوّل إلى نادٍ يعكس تطلعات الطبقة الشعبية، ويمنح أبناء الأحياء فرصة للصعود والاندماج في مشروع وطني جديد. كثير من اللاعبين الذين تألقوا في صفوف الفريق خلال الستينيات والسبعينيات، جاؤوا من أحياء مثل درب السلطان، درب غلف، الحي المحمدي… وكانوا بمثابة مرآة للشارع المغربي.

كما ساهم النادي في تكوين بنية إدارية وتنظيمية جديدة، عبر إدماج أطر مغربية بالكامل في التسيير، بعد عقود من الإدارة الاستعمارية. وبهذا، انتقل الوداد من مجرد فريق ناجح إلى مؤسسة وطنية رياضية واجتماعية، تمثل نموذجًا مغربيًا خالصًا.

لم تكن الحقبة بين 1956 و1975 مجرد مرحلة لعب كرة قدم، بل كانت فترة ترسيخ العمق الرمزي للوداد كامتداد للحركة الوطنية، وكجسرٍ بين مقاومة الأمس وبناء الغد.

🏆 4. التتويجات الأولى والهوية الكروية (1976–1991)

في النصف الثاني من السبعينيات، دخل فريق الوداد مرحلة جديدة أكثر نضجًا، اتسمت بالتتويجات الرسمية وتكريس الهوية الكروية الخاصة به. لم يعد النادي يُقاس فقط بتاريخه النضالي أو بحضوره الشعبي، بل أصبح يُقاس أيضًا بعدد الكؤوس التي يرفعها.

في سنة 1976، حقق الفريق لقب كأس العرش بعد فوز درامي على فريق النهضة السطاتية، لتكون هذه أولى بوادر الصحوة التنافسية الحقيقية في زمنٍ بدأ فيه صراع الأندية الكبرى يشتدّ، وعلى رأسها الرجاء والجيش الملكي. وجاء هذا التتويج ليؤكد أن الوداد لم يكن فقط فريق البدايات البطولية، بل هو أيضًا فريق الإنجازات.

في هذه الفترة، تشكلت معالم الهوية الكروية الودادية بوضوح: فريق يجمع بين الواقعية التكتيكية والأسلوب الجماهيري، وبين الانضباط الدفاعي والقوة البدنية، وهو ما جعله يُلقب أحيانًا بـ”الفريق الذي لا يموت”، نظرًا لقدرته على العودة في النتائج في الدقائق الأخيرة، خاصة في مباريات الديربي أو النهائيات.

برز في هذه الحقبة عدد من اللاعبين الذين خلّدوا أسماءهم في الذاكرة الجماعية، مثل الشرقي الغزواني، حسن ناضر، وعبد المجيد الظلمي الذي واجه الوداد كلاعب كبير مع الرجاء لكن كان يُحترم بشكل خاص من قبل جمهور “وداد الأمة”، ما يعكس أيضًا القيم الرياضية التي كانت تسود آنذاك.

لكن المميز في هذه المرحلة، لم يكن فقط في تتويجات الكأس أو المنافسة على البطولة، بل في الطريقة التي كسب بها الوداد جمهورًا وطنيًا تجاوز حدود الدار البيضاء. بدأت مقاهي مدن مثل فاس، أكادير، مكناس، بني ملال، وحتى مدن الشمال تتحدث عن الوداد، وتحجز أماكنها لمتابعة مبارياته في التلفاز. بل أن كثيرًا من الأطفال في المدارس باتوا يحلمون بأن يصبحوا “وداديين”.

كما بدأت ملامح الصراع الكروي تتضح بين ثلاثي الكبار: الوداد، الرجاء، الجيش الملكي. وكان لكل نادٍ أسلوبه وهويته، لكن الوداد ظلّ يحتفظ بسمعة الفريق “الجاد”، “القوي”، “الذي يلعب للفوز دائمًا”، ولو كان الثمن ثقيلًا.

هذه المرحلة مثّلت اللبنة الأخيرة قبل الانفجار الإفريقي الكبير الذي سيشهده النادي بداية التسعينيات. لكن قبل ذلك، كان لا بد من التمرس في التتويج والتخطيط والاستقرار، وكلها عوامل بدأت تتبلور في هذه الحقبة.

🌍 5. المجد القاري الأول: دوري أبطال إفريقيا 1992

في سنة 1992، كتب نادي الوداد البيضاوي سطرًا خالدًا في سجل كرة القدم الإفريقية، حين تُوّج بلقب دوري أبطال إفريقيا للمرة الأولى في تاريخه. كان ذلك التتويج أكثر من مجرد بطولة، لقد كان لحظة تتويج للهوية الودادية بكاملها، واعترافًا من القارة بأكملها بأن “وداد الأمة” قد تجاوز حدوده الوطنية ليصير قوة إقليمية.

كان الطريق إلى هذا التتويج طويلًا وصعبًا. واجه الفريق في الأدوار التمهيدية خصومًا شرسين، لكن عزيمته، بقيادة المدرب الأرجنتيني أوسكار فيلوني، كانت صلبة. أوسكار لم يكن فقط مدربًا بل كان مهندسًا حقيقيًا لفريق يُتقن الدفاع، ويفاجئ خصومه بهجمات منظمة ومدروسة، وهو ما أثمر في نهاية المطاف.

في النهائي، واجه الوداد فريق الهلال السوداني، أحد أعمدة الكرة السودانية آنذاك. جرت مباراة الذهاب في أم درمان وسط جمهور غفير، وانتهت بالتعادل السلبي، ما أبقى على كل الاحتمالات مفتوحة.

لكن مباراة الإياب في مركب محمد الخامس بالدار البيضاء كانت موعدًا مع التاريخ. في أجواء جماهيرية نادرة، وسيناريو مشحون بالتوتر والترقب، استطاع الوداد الفوز بنتيجة 2–0 بأداء بطولي من لاعبين مثل النيبت والداودي والشريف. وحين أطلق الحكم صافرته الأخيرة، انفجرت مدرجات “دونور” فرحًا، وخرج الآلاف إلى شوارع البيضاء يهتفون باسم الوداد، وقد دخل أخيرًا “نادي الأبطال”.

كان هذا التتويج يحمل رمزية عميقة، إذ أتى في بداية تسعينيات كانت فيها الكرة المغربية تبحث عن نفَس جديد بعد تراجع منتخب 1986. الوداد قدّم نفسه كنموذج جديد: فريق محلي الصنع، بمدرب أجنبي ذكي، وبدعم جماهيري غير محدود.

بل إن هذا التتويج مهّد للمشاركة لاحقًا في الكأس الإفرو-آسيوية، حيث واجه الوداد نادي بوهانغ ستيلرز الكوري الجنوبي، في خطوة أثبتت أن طموحات النادي لم تعد فقط داخل القارة، بل صارت تتطلع إلى العالمية.

بذلك، كانت 1992 سنة الانفجار القاري للوداد، لكنها أيضًا محطة تأسيسية لفهم أن الفريق لم يُولد فقط ليكون محليًا أو وطنيًا، بل ليكون مشروعًا رياضيًا إفريقيًا بامتياز.

🔄 6. عقد الركود والصراعات الداخلية (1993–2009): سنوات الرماد

بعد التتويج القاري التاريخي سنة 1992، كان يُنتظر من الوداد أن يواصل زحفه نحو زعامة الكرة الإفريقية، ولكن رياح الواقع لم تسر كما أرادت الجماهير. دخل الفريق في مرحلة طويلة اتسمت بعدم الاستقرار الإداري والفني، وتراجعت خلالها النتائج، رغم بعض اللمحات الإيجابية المتفرقة.

من 1993 إلى حدود نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة، كان الوداد يعيش حالة من التذبذب الدائم: إدارة تلو الأخرى، مدربون يدخلون ويخرجون، جماهير غاضبة، ولاعبون يعجزون عن تقديم الإضافة المطلوبة. لم يكن الأمر مرتبطًا فقط بكرة القدم، بل بتغير عميق طرأ على المشهد الرياضي المغربي ككل، إذ بدأت بوادر الاحتراف تفرض نفسها، بينما ظلت البنيات التحتية والمؤسسات تشتغل بمنطق هاوٍ.

شهدت هذه الحقبة لحظات مؤلمة، أبرزها الخروج المبكر من المسابقات القارية، وتدهور مستوى الفريق في مباريات مصيرية. وكانت الجماهير، التي اعتادت على رؤية فريقها منافسًا على كل الجبهات، تصاب بالإحباط موسما بعد آخر.

في هذه المرحلة أيضًا، تعمقت الانقسامات داخل البيت الودادي. بدأت تظهر صراعات بين مكونات الإدارة، واختلافات في الرؤية بين من أراد الحفاظ على الطابع الشعبي التقليدي للنادي، ومن طالب بمزيد من الانفتاح على الاستثمارات والاحتراف.

ورغم ذلك، لم تنطفئ شمعة الوداد. فقد كانت هناك فلاشات من الضوء، مثل التتويج بلقب البطولة سنة 2006، والذي أعاد بعض الأمل في عودة الفريق إلى واجهته الطبيعية. كما أفرزت هذه المرحلة عددًا من اللاعبين الجيدين الذين حملوا القميص الأحمر بكل إخلاص، مثل حسن بنعبيشة، مراد فلاح، والعلودي.

لكن الحقيقة المُرّة التي لا يختلف حولها المحبّون هي أن هذه الحقبة كانت أشبه بـ**”سنوات الرماد”**: لم يكن الفريق منهارًا بالكامل، لكنه كان تائهًا، يبحث عن بوصلة وسط عاصفة من الصراعات الداخلية، وضغوطات الجماهير، وسقف التوقعات المرتفع.

وكان لا بد من تغيير جذري… تغيير يُعيد ترتيب البيت من الداخل، ويعيد الحلم إلى مساره. هذا التغيير لن يتأخر طويلًا، وسيأتي مع اسم سيُصبح حديث الشارع الرياضي المغربي: سعيد الناصري.

🟥 7. عهد سعيد الناصري (2014–2023): عودة الوداد إلى القمة

حين تولى سعيد الناصري رئاسة نادي الوداد البيضاوي سنة 2014، كان الفريق بحاجة إلى أكثر من مجرد رئيس. كان يحتاج إلى رجل يملك رؤية واضحة، وإرادة صلبة، وقدرة على إعادة بناء ما تهدّم خلال سنوات الركود. الناصري، رجل الأعمال الآتي من قلب العاصمة الاقتصادية، أدرك منذ البداية أن النجاح في كرة القدم الحديثة لم يعد يُبنى فقط على العاطفة والانتماء، بل على الحوكمة والتخطيط والانضباط المالي والإداري.

في أولى خطواته، انكبّ على إعادة هيكلة البيت الداخلي للنادي. وضع قواعد صارمة للتسيير، وبدأ في تقوية الجانب الإداري من خلال جلب كفاءات شابة، واعتماد شراكات ذكية، والاستثمار في التكوين والبنية التحتية. كما أعاد التفاوض على عقود الإعلانات والحقوق، ليجعل من الوداد مؤسسة مستقلة ماليًا وقادرة على جلب النجوم.

لكن التغيير لم يتوقف عند المكاتب. على مستوى الميدان، جاء الناصري بمدربين تركوا بصمة عميقة، أبرزهم الحسين عموتة الذي قاد الفريق نحو لقب دوري أبطال إفريقيا 2017، بعد فوز مثير على الأهلي المصري في مباراة إياب تاريخية بالمركب الرياضي محمد الخامس.

ذلك التتويج لم يكن فقط إنجازًا رياضيًا، بل كان تأكيدًا على أن الوداد عاد ليكون زعيمًا إفريقيًا. تلاه حضور قوي في كأس العالم للأندية، ثم مشاركات متتالية في الأدوار النهائية لعصبة الأبطال، وصولًا إلى التتويج الثاني باللقب القاري سنة 2022، هذه المرة بقيادة المدرب وليد الركراكي، أحد أبناء النادي الذي أعاد الروح إلى الفريق، وأكد أن الكفاءة المغربية قادرة على كتابة المجد الكروي بأحرف من ذهب.

خلال عهد الناصري، حقق الوداد أيضًا مجموعة من الألقاب المحلية، وسيطر على البطولة الوطنية في أكثر من مناسبة، في ظل تراجع منافسيه التقليديين. بل إن الفريق بات يُوصف إعلاميًا بـ”المهيمن الجديد” على الكرة المغربية، نظرًا لثبات مستواه وذكاء إدارته.

جماهير “وداد الأمة”، التي كانت في لحظة ما تفكر في “الرحيل الرمزي” عن مدرجات “دونور”، عادت أقوى من ذي قبل. الآلاف امتلأت بهم الملاعب، و”التيفوهات” عادت لتكتب شعارات الفخر والولاء، والشارع البيضاوي عاد ينبض بلون الدم والنار.

وبهذا، استطاع عهد الناصري أن يُعيد الكرامة والهيبة، ويصنع فريقًا يليق بتاريخ النادي… لكنه أيضًا وضع أمام الجماهير سؤالًا جديدًا: كيف يمكن الحفاظ على هذا المجد؟ وكيف نضمن ألا نعود مرة أخرى إلى سنوات الرماد؟

🏟️ 8. مركب محمد الخامس: المعقل التاريخي لوداد الأمة

لا يمكن الحديث عن الوداد البيضاوي دون استحضار مركب محمد الخامس، ذلك الفضاء الذي تحوّل مع الزمن من مجرد ملعب رياضي إلى معبد جماهيري يضج بالهتاف والشغف. يعرفه الوداديون باسم “دونور”، وهو أكثر من مجرد منشأة، بل ذاكرة جماعية تختزن آلاف اللحظات التي صاغت هوية الفريق.

افتُتح المركب سنة 1955، أي قبل سنة فقط من استقلال المغرب، وشهد منذ اللحظات الأولى ولادة علاقة خاصة مع نادي الوداد. جرت عليه أولى مباريات الفريق في البطولة الوطنية بعد الاستقلال، وفيه عاش الجمهور لحظات الفرح والانكسار، التتويج والانكسار، الهتاف والصمت. وكان دومًا شاهدًا على تقلبات الزمن الرياضي المغربي.

مع توالي العقود، أصبح “دونور” رمزًا للوداد لا يقل قدسية عن القميص الأحمر. فيه احتفل الفريق بألقابه المحلية والقارية، وآخرها في نهائي دوري أبطال إفريقيا 2017 و2022، حين اهتزّت مدرجاته تحت وقع صيحات الآلاف من الوداديين.

أما في أيام الديربي، فيتحول المركب إلى ساحة أسطورية، حيث ينقسم إلى لونين متعارضين، وترتفع فيه مشاعر المدينة إلى أقصى درجاتها. وفي تلك اللحظات، يكون “دونور” بمثابة مرآة للدار البيضاء كلها، بكل تناقضاتها ومزاجها الحاد.

شهد المركب أيضًا تحولات كبيرة في البنية التحتية، إذ خضع لعدة إصلاحات، لكن الارتباط العاطفي ظل ثابتًا. كل مرة طُرحت فيها فكرة ترحيل الفريق إلى ملعب جديد، اصطدمت برفض الجماهير التي تعتبر أن “وداد الأمة لا تُهاجر”، وأن “المجد يُصنع هنا، في قلب البيضاء، حيث تنبض الذاكرة”.

وليس الجمهور فقط من يحتفي بالمركب، بل حتى اللاعبين يعترفون بأن اللعب فيه يمنحهم طاقة استثنائية. فكل ركن في المدرجات يحمل قصة، وكل زفرة تصدر من الجماهير تصنع فرقًا، وكل “تيفو” يُرفع يحمل رسالة، ليست فقط للخصم، بل للعالم كله: “هنا الوداد، وهنا البيت”.

🎨 9. جمهور الوداد: من “الوينرز” إلى الظاهرة الاجتماعية

إن كان للوداد تاريخ حافل في الميدان، فإن خلف هذا التاريخ جمهور يُشبه الزلزال… جمهور لا يُشجّع فحسب، بل يصنع الحدث، ويوجه الرسائل، ويفرض احترامه على الخصم والحكم والإعلام. منذ عقود، كان الوداد يُعرف بجمهوره العريض، لكن منذ سنة 2005، ومع تأسيس مجموعة “Winners”، دخل التشجيع في بعدٍ آخر… في مستوى التعبئة، والتنظيم، والتأثير الرمزي.

تحولت الإلتراس إلى حركة اجتماعية تتجاوز مجرد التشجيع. بات الجمهور يُعدّ رسائل تيفوهاته بدقة، ينسق اللوجستيك، يصمم، يرسم، يكتب، ويبعث برسائل سياسية وثقافية وحتى اقتصادية… كل ذلك من المدرجات. ولم يعد حضور الوداديين في “دونور” مجرد مرافقة للفريق، بل صار استعراضًا بصريًا وفكريًا يُثير إعجاب العالم، حتى إن كبريات الصحف الأوروبية خصصت تقارير عن “الظاهرة الودادية”.

من أبرز لحظات الجمهور الودادي، نذكر “تيفو الكرامة”، و”تيفو الخبز والحرية”، و”رسائل الغضب إلى الجامعة”، و”تيفوهات فلسطين”، وكلها تعكس التقاء الحس الرياضي بالوعي الاجتماعي. وفي كل مرة، كان الجمهور يثبت أنه أكثر من جمهور، بل قوة معنوية ضاغطة تؤثر في قرارات المكتب، وتساهم في إعادة تصويب البوصلة حين تنحرف.

لكن مع هذا الحماس، كانت هناك لحظات توتر، سواء مع الإدارة، أو في بعض الأحيان مع السلطات، أو حتى في منافسات ديربي مشحونة. ومع ذلك، فإن الودادي الحقيقي ظل دائمًا يعرف حدود العنف، ويُعيد الأمور إلى سياقها. فـ”الحب للوداد لا يعني الخراب”، كما كتبت الجماهير في إحدى اللافتات الشهيرة.

اليوم، بات جمهور الوداد يُدرَّس عالميًا في علم الإلتراس. بل إن بعض مشجعي الفرق الأجنبية يرتدون قمصان “Winners”، في ظاهرة فريدة تعكس قوة الانتشار الرمزي للوداد خارج حدود الوطن. وصار النادي يُحسب له ألف حساب حين يلعب على ميدانه، لأن خصومه لا يواجهون فقط 11 لاعبًا، بل يواجهون جدارًا بشريًا من الإيمان والانتماء والوفاء.

وهكذا، صار من المشروع القول: إن جمهور الوداد ليس مجرد خلفية للمشهد، بل أحد صُنّاعه الأساسيين.

🤝 10. رمز رياضي وثقافي واجتماعي

ليس الوداد مجرد نادٍ رياضي، بل هو كائن حيّ في الوجدان المغربي، كيان تجاوز وظيفة الترفيه ليتحول إلى تعبير حي عن الثقافة، والانتماء، والموقف. فمنذ نشأته، كان مشروعًا وطنيًا يحمل في طياته معاني المقاومة والكرامة، ومع الوقت تحوّل إلى رمز ثقافي تتقاطع فيه الهويات الشعبية، والحراك الاجتماعي، والطموحات الوطنية.

في الأحياء الشعبية، كان اسم الوداد يُتداول كما تُتداول الحكايات، وكانت قمصانه تُخاط في البيوت، وشعاراته تُرسم على الجدران. لم يكن جمهور الوداد بحاجة لبطولات كي يحب فريقه، بل أحبّه لأنه كان يُشبهه: عنيدًا، صامدًا، ورافضًا للهزيمة. وهذا ما جعل النادي يتجذر كرمز اجتماعي يُعبّر عن ملايين المغاربة، وخصوصًا الطبقة الكادحة.

في السياق الثقافي، شكّلت الوداد مرجعية قوية في الأغنية واللوحة والمسرح والسينما. كم من أغنية شعبية تغنت بـ”وداد الأمة”، وكم من مشهد في الأفلام المغربية أدرج المدرجات، وكم من لوحة رسمت “دونور” يتوهج في الديربي. وحتى في الحوارات السياسية، أحيانًا يُستعان بمفردات كروية مستوحاة من القاموس الودادي للدلالة على الصراع أو الانتصار.

الوداد أيضًا لم يتأخر عن تأدية واجبه في المحطات الوطنية الحساسة. حين ضرب زلزال الحوز، كان جمهور الوداد أول من نظم حملات تبرع. وحين كانت القضية الفلسطينية في قلب الأحداث، رفعت الجماهير الأعلام واللافتات في صمتٍ مدوٍّ. بل إن النادي نفسه أطلق مبادرات تضامنية في مناسبات مختلفة، معتبرًا نفسه جزءًا من النسيج المجتمعي لا كيانًا منعزلاً.

حتى في النقاشات السياسية، ظهر مصطلح “الوداد” أحيانًا كتشبيه للثبات أو للولاء الشعبي، وكأن الفريق بات يُستخدم كرمز ضمنيًا للدلالة على الشعبوية الإيجابية أو التعبئة العفوية.

ومن خلال هذه الأبعاد المتعددة، يتضح أن الوداد ليس ناديًا فقط، بل مدرسة للحب والانتماء والتاريخ. ومهما تغيرت الظروف، تبقى وداد الأمة شاهدًا على تحولات المغرب، من زمن المقاومة، إلى زمن الاحتراف، إلى زمن العالمية.

🌟 11. شخصيات خالدة في ذاكرة الوداد

كل نادٍ كبير تُشكّله اللحظات، وتُخلّده الألقاب، لكن أكثر ما يمنحه الخلود هم الرجال الذين مرّوا من خلاله وتركوا بصمة لا تُمحى. والوداد، كمدرسة كروية وتاريخية، عرفت عبر عقودها الطويلة عددًا من الأسماء التي تحولت إلى رموز أبدية في سجل النادي.

🧤 فتاح: الحارس الذي لا يُنسى

في زمن الأبيض والأسود، كان “فتاح” الحارس الذي يُطمئن جمهور الوداد. بأسلوبه الهادئ وردود فعله السريعة، حمى الشباك الحمراء في سنوات حساسة، وساهم في ترسيخ صورة الوداد كفريق صلب لا يُهزم بسهولة. يُروى أنه في إحدى المباريات الصعبة، صرخ الجمهور باسمه أكثر من اسم المدرب.

عبد المجيد الظلمي: الخصم المحترم

رغم أنه لم يحمل قميص الوداد، فإن الظلمي ظلّ واحدًا من أكثر اللاعبين احترامًا من جماهير “وداد الأمة”. المواجهات الكلاسيكية التي خاضها ضد الوداد كلاعب للرجاء حملت قدرًا كبيرًا من الرقي، واعتُبر نموذجًا للاعب الذي يضع الأخلاق قبل المنافسة. ظل اسم الظلمي يُتداول حتى بعد وفاته كأسطورة تُجسّد النبل الرياضي.

👔 أوسكار فيلوني: صانع مجد 1992

المدرب الأرجنتيني لم يكن مجرد تقني محترف، بل كان مهندسًا نفسيًا وتكتيكيًا استطاع أن يعيد تركيب الفريق، ويقوده إلى أول تتويج قاري في تاريخه. كان فيلوني يعرف كيف يتحدث إلى اللاعبين، وكيف يُسيّر غرفة الملابس، وكيف يحوّل الضغط إلى طاقة إيجابية. ترك وراءه إرثًا يذكره الجميع كلما ذُكرت عصبة الأبطال.

🎯 الحسين عموتة: العودة إلى القمة

مدرب مغربي بصيغة النجاح. في 2017، قاد الوداد بلغة الانضباط والتكتيك نحو تتويج قاري جديد أمام الأهلي، وفتح بذلك عهدًا جديدًا من الهيبة القارية. عموتة مثل الركراكي، أثبت أن المدرب المغربي حين يُمنح الثقة، يستطيع الوصول إلى المجد.

🧠 وليد الركراكي: قائد بأناقة وكرامة

حين تولى تدريب الوداد في موسم 2021–2022، لم يكن كثيرون يتوقعون أنه سيُحدث هذا التحول السريع. لكن الركراكي، ابن الكرة المغربية، عرف كيف يُعيد الروح إلى اللاعبين ويُحولهم إلى وحدة قتالية ناعمة، فأهدى النادي لقبه القاري الثالث، بل صار لاحقًا رمزًا وطنيًا بعد إنجازه مع المنتخب المغربي في مونديال قطر.

🏅 الحاج محمد بنجلون: الأب المؤسس

لا يمكن الحديث عن شخصيات الوداد دون التوقف عند الحاج محمد بنجلون التويمي، أحد أبرز المؤسسين، وفاعل محوري في بقاء واستمرارية النادي خلال فترات دقيقة. دوره لم يكن فقط تسييريًا، بل وطنيًا، في فترة كان فيها العمل الرياضي تداخلاً مع النضال السياسي.

وإلى جانب هؤلاء، هناك العشرات من اللاعبين، الإداريين، والجماهير الذين لا تُذكر أسماؤهم دائمًا، لكنهم في ذاكرة من عاشوا معهم: النيبت، الداودي، فخر الدين، الشراط، رشيد الداودي، الزاكي، العلالي، بوشعيب المباركي، والآخرون… كل واحد منهم ساهم في صناعة صفحة من صفحات “كتاب الوداد”.

🧭 12. التحديات المستقبلية: بين الخصخصة والمشروع القاري

رغم أن الوداد يعيش منذ سنوات على إيقاع البطولات والتتويجات، إلا أن طريق المستقبل لا يخلو من أسئلة جوهرية وتحديات هيكلية تتطلب تفكيرًا استراتيجيًا بعيدًا عن نشوة الانتصارات. فكل نادٍ كبير يصل إلى القمة، يكون مُطالبًا ليس فقط بالبقاء، بل بإعادة اختراع نفسه في كل مرحلة، حتى لا يسقط ضحية التكرار أو الغرور الرياضي.

واحدة من أبرز التحديات المطروحة اليوم على نادي الوداد، كما على باقي الأندية المغربية، هي مسألة الخصخصة. فالمشروع الذي تدفع به الدولة منذ سنوات يرمي إلى تحويل الأندية إلى شركات رياضية مستقلة، تعمل وفق منطق الاقتصاد والاستثمار، لا فقط الولاء والانتماء. هذا التحول قد يوفّر للنادي مداخيل واستثمارات قوية، لكنه قد يُهدد أيضًا الجانب الرمزي، إذا لم يُدار بعناية.

هل يستطيع الوداد أن يُحافظ على هويته الشعبية وهو يتحول إلى “شركة”؟
هل سيكون الجمهور شريكًا حقيقيًا في المشروع، أم مجرّد مستهلك؟
هل ستبقى قرارات النادي بيد أبنائه، أم ستنتقل إلى رجال أعمال لا علاقة لهم بروح الفريق؟
كلها أسئلة مفتوحة تشغل النقاش داخل الأوساط الودادية.

على الصعيد الرياضي، يواجه الوداد تحديًا آخر: الحفاظ على الريادة القارية. فالفوز بلقب دوري أبطال إفريقيا لم يعد هدفًا مستقبليًا، بل واجبًا موسميًا في نظر الجمهور. هذا يضع ضغطًا هائلًا على اللاعبين والإدارة، ويتطلب بنية احترافية صلبة، واستراتيجية انتدابات ذكية، واستثمارًا كبيرًا في التكوين واستكشاف المواهب.

ثم هناك ملف البنية التحتية. رغم رمزية مركب محمد الخامس، إلا أن الواقع الميداني يفرض التفكير في فضاءات تدريب حديثة، ومراكز تكوين بمقاييس دولية، وربما ملعب خاص يليق بمكانة النادي، دون التفريط في الروح التاريخية.

ومن جهة أخرى، يواجه الوداد تحديات التحكيم، والبرمجة، وتوتر العلاقة أحيانًا مع الجامعة الملكية لكرة القدم. وهي ملفات تستنزف الجهد، وتؤثر على تركيز النادي، وتُشعر الجماهير أحيانًا أن الفريق يقاتل خارج الملعب كما داخله.

لكن، إذا كان الماضي قد أثبت شيئًا، فهو أن الوداد عرف دائمًا كيف يواجه التحديات: بالعزيمة، بالصبر، وبالعمل الجماعي. والتاريخ شاهد أن هذا النادي حين يكون في الزاوية، يعود أقوى من أي وقت مضى.

📅 13. الوداد في أرقام ومحطات تاريخية

إذا كانت الكلمات تنقل الإحساس، فإن الأرقام تحفظ الذاكرة بدقة. ولأن نادي الوداد البيضاوي ليس مجرد قصة تُروى، بل مسيرة مبهرة من الإنجازات، فإن استعراض محطاته بالأرقام يُعطي بُعدًا موثقًا لتاريخه المجيد:

🏆 الألقاب الوطنية:

  • البطولة الوطنية المغربية: 🥇 22 لقبًا (آخرها موسم 2021–2022)، ما يجعله أكثر نادٍ تتويجًا بالبطولة في تاريخ المغرب.
  • كأس العرش المغربي: 🏅 9 مرات (أبرزها في 1970، 1978، 1981، 1989).
  • الثنائية (بطولة + كأس): حققها في مرتين، أبرزها موسم 1978.

🌍 الألقاب القارية والدولية:

  • دوري أبطال إفريقيا: 🌍 3 مرات
    • 1992 ضد الهلال السوداني
    • 2017 ضد الأهلي المصري
    • 2022 مجددًا ضد الأهلي المصري
  • الكأس الأفرو-آسيوية: 🏆 1993 ضد بوهانغ ستيلرز (كوريا الجنوبية)
  • السوبر الإفريقي: 🥈 وصيف (أمام مازيمبي 2018)

🎯 مشاركات بارزة:

  • كأس العالم للأندية: تأهل مرتين (2017، 2022)
  • عدد المشاركات القارية: أكثر من 22 مشاركة إفريقية، ما يجعله من بين أكثر الأندية ظهورًا على الصعيد القاري.

أبرز الهدافين في تاريخ النادي:

  • فخر الدين رجحي: سجل أكثر من 100 هدف بقميص الوداد، ويُعتبر أيقونة هجومية خالدة.
  • رشيد الداودي: صانع ألعاب بارز خلال التسعينيات، ساهم في تحقيق عدد كبير من الانتصارات الحاسمة.
  • أيوب الكعبي: هداف نسخة 2022 من دوري الأبطال، وساهم بشكل مباشر في التتويج القاري الثالث.

👥 أبرز المدربين:

  • أوسكار فيلوني: بطل إفريقيا 1992
  • الحسين عموتة: صانع ملحمة 2017
  • وليد الركراكي: مهندس المجد 2022
  • جون توشاك: المدرب الويلزي الذي أعاد للفريق هويته سنة 2015

🗓️ محطات مفصلية:

  • 1937: تأسيس النادي في زمن الحماية
  • 1948: أول فريق مغربي يفوز بجميع مبارياته في موسم واحد
  • 1957: الفوز بأول بطولة وطنية بعد الاستقلال
  • 1992: أول لقب قاري
  • 2006: كسر سنوات الرماد بالتتويج بالبطولة
  • 2017: العودة القارية القوية
  • 2022: تثبيت الزعامة الإفريقية الحديثة

هذه الأرقام ليست مجرد بيانات، بل هي شواهد على مجد صنعته أجيال من اللاعبين والمدربين والجماهير والإداريين. كل رقم هو قصة، وكل لقب هو دمعة فرح، وكل محطة هي درس في الإصرار.

📢 14. شهادات من داخل أسوار النادي

حين يُحكى تاريخ نادٍ بحجم الوداد، لا تكتمل الحكاية دون سماع أصوات من الداخل. أولئك الذين عاشوا اللحظات خلف الكواليس، وتذوقوا طعم الانتصار والانكسار، هم الأقدر على رواية التفاصيل التي لا تُكتب في تقارير الصحف. شهاداتهم تمنحنا رؤية أعمق للوداد كروح لا ككيان فقط.

🎙️ بدر الدين الإدريسي (صحفي رياضي مغربي):

“الوداد ليس مجرد نادٍ فاز بدوري الأبطال ثلاث مرات، بل هو مدرسة في الانبعاث. في كل مرة يظن الناس أنه انتهى، يعود ليُعلّم الجميع معنى الكبرياء الرياضي.”

👤 صلاح الدين بصير (لاعب دولي سابق):

“لعبت ضد الوداد، وشاهدت كيف يحول الجمهور المدرج إلى جدار لا يُقهر. بعض الفرق تلعب بـ11 لاعبًا، والوداد بـ50 ألف صوت.”

🧠 الحسين عموتة (مدرب سابق):

“العمل في الوداد صعب، لأنك لا تملك رفاهية الوقت. الجمهور يُطالبك بالفوز قبل أن تجف أحبار عقدك. لكنه جمهور يصنع من مدرب عادي أسطورة، إذا فهمته وأحببته.”

💬 وليد الركراكي (مدرب اللقب الثالث):

“حين دربت الوداد، شعرت وكأنني أدرّب الوطن كله. لم يكن الأمر مجرد وظيفة، بل مهمة وطنية.”

🎤 أعضاء من “Winners 2005”:

“نحن لا نُشجع الوداد فقط… نحن نحرس ذاكرته. كل تيفو نرفعه هو وثيقة، كل أغنية نغنيها هي أرشيف، وكل صرخة هي قسم بالوفاء.”

🧑‍🏫 مدرب ناشئين بالنادي (في تصريح صحفي):

“أطفال الحي حين يرتدون قميص الوداد، يمشون بفخر مختلف. لأنهم لا يدخلون ناديًا، بل يدخلون حكاية عمرها 80 سنة.”

هذه الشهادات تكشف أن الوداد ليس مجرد أرقام أو ألقاب، بل هو مناخ وجداني تعيش فيه أجيال من الناس، ويتفاعلون معه كأنهم جزء منه. كل واحد منهم يحمل قطعة من هذا الكيان، ويرويها بطريقته.


نختم الآن مع الفقرة الأخيرة:


✒️ 15. الخاتمة: من ذاكرة الأمس إلى آمال الغد

تاريخ الوداد البيضاوي ليس مجرد سلسلة انتصارات، بل مرآة لتاريخ المغرب نفسه. من مقاومة الاستعمار إلى مقاومة الهزائم، من ملاعب الرمل إلى الليالي الإفريقية، من درب السلطان إلى العواصم العالمية… كانت الوداد دومًا حكاية مغربية ناصعة.

لكن كما لكل تاريخ أمجاد، له تحديات. الحفاظ على الإرث، مواكبة العصر، تحقيق التوازن بين الروح الشعبية والاحتراف المالي، كلّها رهانات الغد.

ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل سيستمر وداد الأمة في كتابة الحكاية بنفس الروح، وبأدوات الزمن الجديد؟
الجواب، كما عوّدنا هذا الفريق، لن يأتي بالكلام… بل من الميدان، ومن أصوات الجماهير، ومن العرق الذي يُسكب على العشب.

وداد الأمة… ليس الماضي فقط، بل المستقبل أيضًا.

أضف تعليق