تاريخ صناعة السيارات بالمغرب: من التجميع إلى التصنيع الكامل

1. مقدمة: الطريق إلى الصناعة الثقيلة في المغرب

لطالما ارتبط حلم التصنيع في المغرب برغبة الدولة في تحقيق السيادة الاقتصادية والتحرر من التبعية الغربية، خاصة بعد الاستقلال سنة 1956. وبينما شهدت قطاعات مثل النسيج والفلاحة والصناعات الغذائية بعض التقدم، ظلت الصناعات الثقيلة، وعلى رأسها صناعة السيارات، بعيدة المنال. لم يكن الأمر متعلقًا فقط بنقص التمويل أو ضعف البنية التحتية، بل أيضًا بغياب رؤية صناعية شاملة واستراتيجية متكاملة لتطوير قطاع يعتمد على الابتكار، التكوين، والتصدير.

في العقود التي تلت الاستقلال، كان المغرب يعتمد كليًا على استيراد السيارات من أوروبا، مما شكل عبئًا كبيرًا على الميزان التجاري. ومع تزايد الطلب المحلي، خصوصًا في المدن الكبرى، بدأ التفكير في إدخال نشاط التجميع كمرحلة أولى نحو التصنيع. إلا أن هذه المرحلة، رغم أهميتها الرمزية، ظلت لفترة طويلة مجرد تجميع لقطع مستوردة دون إضافة قيمة مضافة محلية حقيقية.

ومع بداية القرن الحادي والعشرين، وبفعل التحولات الجيو-اقتصادية العالمية، أدرك المغرب أن امتلاك صناعة سيارات تنافسية لا يمثل فقط أداة لتحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل، بل أيضًا رافعة سياسية واستراتيجية لفرض وجوده في سلاسل القيمة العالمية. هكذا بدأت رحلة التحول من التجميع إلى التصنيع الكامل، مدفوعة بإرادة ملكية قوية، وشراكات دولية، وتخطيط حكومي صارم.

2. البدايات الأولى (1960–1990): عصر التجميع المحدود

عرفت العقود الأولى من استقلال المغرب انطلاق مشاريع تجميع السيارات الأوروبية، خاصة الفرنسية منها مثل Renault وPeugeot، داخل وحدات بسيطة تعتمد أساسًا على تركيب قطع مستوردة دون قيمة مضافة محلية تُذكر. كان مصنع SOMACA (Société Marocaine de Construction Automobile) بالدار البيضاء، الذي أُنشئ في عام 1959، أبرز تمثيل لهذا التوجه، حيث تولى تجميع طرازات مثل Renault 4 وPeugeot 504 دون تصنيع أي مكون محلي فعلي.

في تلك المرحلة، كانت فكرة التصنيع المحلي الكامل شبه غائبة عن الخطط الاقتصادية، لكون السوق المغربية صغيرة نسبيًا وغير قادرة على استيعاب إنتاج واسع النطاق. إضافة إلى ذلك، لم يكن هناك اهتمام حقيقي بتكوين كفاءات صناعية محلية متخصصة في هندسة السيارات، وكان الاعتماد التام على الخبرات الأجنبية.

رغم محدودية الإمكانيات، شهدت تلك الفترة بداية تشكل وعي صناعي ناشئ لدى بعض النخب المغربية، خاصة في أوساط المهندسين والتقنيين الذين تلقوا تعليمهم في الخارج، كما في صفوف بعض رجال الأعمال الذين حاولوا استنبات مشاريع صناعية بشراكات أوروبية، لكن النتائج ظلت محدودة.

كما عرفت هذه الفترة محاولات متواضعة لتوسيع قطاع التجميع نحو مدن أخرى خارج الدار البيضاء، مثل فاس والقنيطرة، إلا أن هذه المبادرات لم تستمر، بسبب ضعف البنية التحتية وارتفاع كلفة النقل اللوجستي، وعدم جاهزية الموانئ المغربية لتصدير المنتجات المركبة.

من جهة أخرى، كانت هذه المرحلة مطبوعة بسياسات اقتصادية يغلب عليها الطابع الحمائي، إذ فُرضت رسوم جمركية مرتفعة على السيارات المستوردة، ما أتاح لبعض الشركات المستقرة في المغرب تحقيق أرباح جيدة دون الحاجة إلى تطوير المنتج أو رفع نسبة الإدماج المحلي. وقد أدى هذا إلى ما يشبه الجمود الهيكلي في القطاع، استمر إلى حدود التسعينيات.

لم يُكتب لتلك المرحلة أن تتطور بسبب هشاشة الاقتصاد الوطني، وتوجه الدولة آنذاك نحو أولويات فلاحية وإدارية، وغياب تصور شامل لمنظومة صناعية مندمجة. غير أن الإرهاصات الأولى للتجميع ستتحول لاحقًا إلى مرتكزات استُند عليها لاحقًا في إعادة إطلاق القطاع مطلع الألفية الجديدة.

3. سنوات الانكماش (1990–2000): زمن التيه الصناعي

مع بداية التسعينيات، دخل قطاع صناعة السيارات في المغرب مرحلة ركود واضحة. توقفت العديد من المشاريع، وأغلقت بعض خطوط التجميع، وبدأت الشركات الأجنبية في تقليص حضورها بسبب عدم وضوح آفاق الاستثمار الصناعي في البلاد. وقد تزامن ذلك مع ضغوط اقتصادية على المستوى الوطني والعالمي، من بينها ارتفاع أسعار المواد الأولية، وتباطؤ الاقتصاد الأوروبي، الذي كان يشكل الشريك الرئيسي للمغرب.

كما ساهمت التحولات السياسية في نهاية الثمانينيات، وبداية التوجه نحو اقتصاد السوق، في إلغاء بعض الحواجز الحمائية، ما أدى إلى تدفق واردات السيارات من الخارج بأسعار تنافسية، مما جعل المنتجات المجمعة محليًا غير قادرة على المنافسة، سواء من حيث السعر أو الجودة.

انخفضت جاذبية المغرب كوجهة استثمارية صناعية في هذا القطاع، نظرًا لعدة عوامل:

  • ضعف البنية اللوجستية (طرق، موانئ، سكك حديدية).
  • غياب منظومة متكاملة للموردين المحليين.
  • ضعف التكوين المهني المرتبط بالصناعة الميكانيكية.
  • غياب سياسة عمومية واضحة تهم القطاع الصناعي.

في هذه الفترة، كان عدد من الخبراء والمهنيين يُحذرون من انقراض الصناعة الناشئة للسيارات بالمغرب، ما لم يتم وضع رؤية وطنية حقيقية. تقارير صادرة عن غرف التجارة والصناعة أظهرت أن المغرب يخسر فرصًا اقتصادية مهمة بسبب عجزه عن الانتقال من منطق الاستهلاك إلى منطق الإنتاج والتصنيع.

غير أن هذا الانكماش نفسه شكّل، paradoxalement، حافزًا لصياغة ميثاق وطني جديد، حيث بدأت ملامح إصلاحات جذرية تلوح في الأفق مع نهاية العقد، مدفوعة بضرورة إعادة هيكلة الاقتصاد، واستعادة ثقة المستثمرين، وخلق فرص شغل للشباب العاطلين. كانت هذه السنوات بمثابة نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى ستُعلن عن ميلاد رؤية جديدة بحلول سنة 2005.

4. مرحلة التحول (2000–2010): بداية انبثاق استراتيجية وطنية

مع مطلع الألفية، بدأت الدولة المغربية في بلورة رؤية اقتصادية واضحة لإعادة إطلاق القطاع الصناعي برمته، وكان من بين أولوياتها تنشيط قطاع السيارات ليصبح أحد ركائز النمو والصادرات. جاءت هذه الدينامية في سياق عالمي يتسم بانتقال الصناعات من أوروبا نحو الضفة الجنوبية للمتوسط، بفعل ارتفاع كلفة اليد العاملة في الشمال، واشتداد المنافسة الدولية.

في سنة 2005، أطلقت الحكومة “الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي”، الذي جاء كإطار شامل لتحفيز الصناعة المغربية، عبر عدد من الآليات، من بينها:

  • تقديم تحفيزات ضريبية وجمركية للمستثمرين الصناعيين.
  • إنشاء مناطق حرة صناعية.
  • دعم تكوين الموارد البشرية في المهن الصناعية.
  • تطوير البنية التحتية (موانئ، طرق سيارة، قطارات الشحن).

بدأت وزارة الصناعة والتجارة تبحث عن شركاء عالميين، وكانت شركة Renault-Nissan أول من تجاوب مع هذه الرؤية الجديدة. فبعد مفاوضات استغرقت سنوات، تم التوقيع في 2007 على اتفاقية تاريخية لبناء أكبر مصنع سيارات في إفريقيا بطنجة. هذا الحدث لم يكن مجرد صفقة تجارية، بل إعلانًا عن ميلاد صناعة مغربية تنافسية.

إلى جانب Renault، بدأت شركات أخرى في دراسة فرص الاستثمار، كما تم الشروع في إعداد الأطر التقنية عبر شراكات بين الدولة والقطاع الخاص، مما أدى إلى تأسيس معاهد مثل IFMIA (Institut de Formation aux Métiers de l’Industrie Automobile).

📊 إحصائية: في سنة 2000، لم يكن في المغرب سوى 30 شركة نشطة في قطاع السيارات. بحلول 2010، ارتفع الرقم إلى أكثر من 100.

📢 شهادة: “لقد دخلنا مرحلة جديدة، لم نعد نُجَمِّع فقط، بل نُخطط لنصنع ونُصدِّر” – مولاي حفيظ العلمي (وزير الصناعة حينها).

هذا التحول الإستراتيجي كان مقدمة لانطلاق الطفرة الكبرى التي ستعرفها الصناعة المغربية للسيارات بعد 2010، حيث ستبدأ البلاد في منافسة دول صناعية قائمة، وترسيخ موقعها في خارطة الإنتاج العالمي.

5. ولادة العملاق: مصنع Renault-Nissan بطنجة (2012)

مع بداية العقد الثاني من الألفية، دخلت صناعة السيارات المغربية مرحلة جديدة مع تدشين مصنع Renault-Nissan بطنجة المتوسط في فبراير 2012، بحضور العاهل المغربي الملك محمد السادس. مثّل هذا المشروع تتويجًا لعقد من التحضير الاستراتيجي، وجاء كمحطة فاصلة في تاريخ الصناعة المغربية.

بلغت الطاقة الإنتاجية للمصنع عند انطلاقه نحو 340,000 سيارة سنويًا، وقد صُمم ليكون من بين أكثر المصانع احترامًا للبيئة في العالم، حيث يستخدم الطاقة الحرارية المتجددة ويُعيد تدوير المياه الصناعية، ما جعله نموذجًا للصناعة النظيفة.

المصنع موجه في معظمه للتصدير، حيث يتم تصدير حوالي 95% من إنتاجه إلى أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، مما جعل من المغرب منصة دولية لتجميع وتوزيع سيارات Dacia وRenault مثل Lodgy وDokker وSandero.

📊 إحصائية: بحلول 2017، تجاوز إنتاج المصنع 1,000,000 سيارة. 📢 شهادة: “المصنع غير وجه طنجة، وغير وجه الصناعة المغربية” – مهندس مسؤول عن الإنتاج.

لكن الأهم من ذلك أن مصنع طنجة لم يكن فقط مشروعًا تقنيًا، بل رافعة اقتصادية وتنموية شاملة للمنطقة، حيث أحدث ثورة في سوق الشغل (أكثر من 6000 منصب مباشر)، وشجع المئات من الموردين المحليين والدوليين على التمركز حوله، ما أسهم في خلق منظومة صناعية مترابطة.


6. توطين صناعة السيارات (2013–2019): من التجميع إلى المنظومات الصناعية

بعد النجاح الباهر لمصنع طنجة، واصل المغرب خطواته الاستراتيجية في جذب الاستثمارات الصناعية الكبرى، مع التركيز هذه المرة على خلق “منظومات صناعية Sectorielles” متكاملة تجمع بين المصنعين والموردين والتكوين والبنية التحتية. في هذا السياق، تم التوقيع مع مجموعة PSA (Peugeot – Citroën – Opel) على إنشاء مصنع جديد في مدينة القنيطرة، انطلق إنتاجه سنة 2019 بطاقة أولية تبلغ 100,000 سيارة سنويًا، قابلة للتوسع إلى 200,000.

أحدث هذا التحول ديناميكية كبرى في الصناعة المغربية، إذ بدأ المغرب ينتقل من موقع التجميع إلى موقع تصنيع فعلي لعدة مكونات محلية الصنع. كما ارتفعت نسبة الإدماج المحلي لتبلغ 60%، بفضل تمركز مئات الشركات الوطنية والأجنبية المزودة في مناطق صناعية مثل طنجة أوتوموتيف سيتي، والمنطقة الحرة بالقنيطرة، وغيرها.

📊 إحصائية: تم إنشاء أكثر من 220 شركة في سلاسل التوريد بين 2014 و2019. 📢 شهادة: “نحن نصنع اليوم سيارات بمعايير أوروبية، داخل المغرب، وبأيدٍ مغربية” – مدير مصنع PSA بالقنيطرة.

النجاح لم يكن فقط على مستوى الكم، بل أيضًا على مستوى النوع. فالمغرب صار مركزًا هندسيًا أيضًا، حيث أُنشئت مراكز تصميم وتطوير، كما تم إدماج تقنيات رقمية متقدمة (4.0 Industrie) في خطوط الإنتاج. وساهم هذا التطور في توجيه أنظار المصنعين العالميين للمغرب كمركز استراتيجي للصناعة والنقل نحو إفريقيا وأوروبا.

7. البنية التحتية والتكوين: سر النجاح الصامت

لم يكن النجاح الصناعي في قطاع السيارات بالمغرب ليُحقق لولا الاستثمارات الضخمة التي رافقته على مستوى البنية التحتية والخدمات المساندة. فقد أدركت الدولة مبكرًا أن جذب كبريات الشركات العالمية لا يتطلب فقط تحفيزات مالية، بل بيئة لوجستية ومهنية متكاملة تضمن الانسيابية والنجاعة في الإنتاج والتصدير.

أولًا، شكّل ميناء طنجة المتوسط قلب المنظومة اللوجستية الجديدة. فهو من بين أكبر الموانئ المتوسطية من حيث حجم الحاويات، ويتميز بربطه المباشر بأكثر من 180 ميناء عبر العالم، مما يتيح للمصنعين تصدير السيارات في آجال قصيرة وبتكلفة منخفضة. هذا الميناء، المتصل بشبكة طرق سيارة وخطوط سكك حديدية حديثة، سمح بخلق سلاسل توريد مرنة وسريعة بين مواقع الإنتاج وموانئ الشحن.

ثانيًا، تم إنشاء مناطق صناعية متخصصة ومجهزة بالكامل، مثل “طنجة أوتوموتيف سيتي” و”المنطقة الحرة بالقنيطرة”، وهي توفر بنية تحتية بمعايير عالمية، من شبكات الماء والكهرباء إلى الاتصالات والأمن الصناعي. هذه المناطق توفر بيئة عمل نموذجية للشركات متعددة الجنسيات، وتسهل عمليات الترخيص والتصدير بفضل إجراءات إدارية مبسطة.

ثالثًا، أولت الحكومة أهمية قصوى لتكوين الكفاءات البشرية. فقد تم تأسيس شبكة من معاهد التكوين المهني المتخصصة في المهن الصناعية، أبرزها معاهد IFMIA (Instituts de Formation aux Métiers de l’Industrie Automobile) التي أنشئت بشراكة مع Renault وPSA. هذه المعاهد تخرج سنويًا آلاف التقنيين والمهندسين الذين يتم إدماجهم مباشرة في المصانع.

📊 إحصائية: بين 2015 و2020، تخرج أكثر من 30,000 شاب مغربي من مراكز التكوين المهني المرتبطة بصناعة السيارات. 📢 شهادة: “لقد بنينا جيلًا جديدًا من الكفاءات المغربية القادرة على قيادة خطوط الإنتاج” – مسؤول التكوين في IFMIA القنيطرة.

إضافة إلى ذلك، تم إدماج الجامعات المغربية في منظومة البحث والتطوير، حيث أصبحت كليات العلوم والهندسة تواكب تطور الصناعة من خلال شراكات مع الشركات الكبرى في مشاريع مشتركة لتطوير حلول تصنيع ذكية ومستدامة.

كل هذه المقومات مجتمعة جعلت من المغرب ليس فقط منصة للتجميع، بل بيئة صناعية متكاملة تستجيب لمتطلبات الجودة العالمية، وتوفر شروطًا تجعل من الاستثمار في قطاع السيارات خيارًا استراتيجيًا طويل الأمد بالنسبة للمستثمرين.

8. السيارات الكهربائية في المغرب: بداية الثورة الخضراء

مع تزايد الاهتمام العالمي بالانتقال نحو الطاقات النظيفة وتقليص انبعاثات الكربون، سارع المغرب إلى إدماج هذا التحول ضمن استراتيجيته الصناعية، خاصة في قطاع السيارات الذي يُعد من بين أكبر القطاعات الملوثة عالميًا. وقد راهن المغرب على أن يكون من أوائل الدول الإفريقية والعربية التي تنتج سيارات كهربائية بالكامل.

بدأ هذا التوجه مع اتفاقيات مبدئية وُقّعت مع شركة BYD الصينية في 2017 لبناء مصنع لإنتاج السيارات الكهربائية، غير أن المشروع لم يُفعّل في حينه لأسباب متعددة مرتبطة باختيار الموقع والمفاوضات. إلا أن الطموح لم يتوقف، فسرعان ما ظهرت شركات أخرى مثل Leapmotor الصينية وStellantis (المالك لمجموعة Peugeot وCitroën وغيرها)، والتي أعلنت رسميًا عن إدماج خطوط لإنتاج السيارات الكهربائية أو الهجينة في مصانعها بالمغرب، خاصة في القنيطرة.

وقد شكلت سنة 2023 نقطة تحول رمزية بإطلاق أول سيارة مغربية الصنع 100% من طرف شركة “نيو موتورز” (Neo Motors)، وهي شركة محلية حظيت بدعم ملكي ومؤسساتي كبير، حيث تمكنت من تصميم وتصنيع سيارة موجهة للسوق المغربية والأفريقية، وتستجيب لمعايير السلامة الأوروبية.

📊 الهدف الوطني: إنتاج 100,000 سيارة كهربائية سنويًا بحلول 2026، مع رفع نسبة الإدماج المحلي إلى 65%. 📢 شهادة: “السيارة الكهربائية القادمة من المغرب ليست مجرد حلم، بل ضرورة بيئية وصناعية” – هشام البوزيدي، خبير الطاقة والتنمية المستدامة.

إضافة إلى ذلك، يتجه المغرب إلى تصنيع بطاريات الليثيوم محليًا عبر شراكات مع شركات كورية وصينية، مع التطلع إلى خلق منظومة صناعية جديدة خاصة بمكونات السيارات الكهربائية، من المحركات إلى أنظمة التحكم الإلكتروني.

كما تندرج هذه المشاريع ضمن الرؤية الملكية للطاقة الخضراء التي تراهن على دمج الصناعة بالنموذج الطاقي المغربي، حيث يُنتج المغرب أكثر من 40% من كهربائه من مصادر متجددة، ما يجعل من تصنيع السيارات الكهربائية خيارًا بيئيًا واقتصاديًا في آن واحد.

كل هذه الديناميات تُشير إلى أن المغرب لا يكتفي فقط بالتبعية للأسواق التقليدية، بل يعمل على التموضع كمصنع مبتكر للجيل الجديد من السيارات في القارة الإفريقية.

9. الصناعة المغربية في السوق الدولي: أرقام ومقارنات

مع تطور قطاع السيارات في المغرب خلال العقدين الأخيرين، لم تعد أهداف الصناعة تقتصر على تلبية السوق المحلي، بل أصبحت موجهة بالأساس إلى التصدير نحو الأسواق العالمية، وهو ما مكن المملكة من فرض نفسها كفاعل استراتيجي في سلاسل التوريد العالمية للسيارات.

تُظهر الأرقام الرسمية أن صادرات السيارات أصبحت تحتل المرتبة الأولى بين صادرات المغرب الصناعية منذ 2014، متجاوزة بذلك صادرات الفوسفات والمنسوجات. وقد وُجِّه أكثر من 90% من هذه السيارات نحو السوق الأوروبية، خصوصًا فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، إلى جانب أسواق صاعدة في إفريقيا وأمريكا الجنوبية.

📊 إحصائية: في سنة 2023، بلغت صادرات المغرب من السيارات ومكوناتها أكثر من 12.9 مليار دولار، أي ما يمثل حوالي 27% من إجمالي الصادرات الوطنية.

هذا النجاح عززه تموقع المغرب الجغرافي الاستراتيجي، حيث لا يبعد سوى 14 كيلومترًا عن أوروبا، مما يُمكنه من الشحن السريع والمنتظم، مدعومًا بشبكة موانئ ومناطق صناعية متطورة.

كما ساعدت اتفاقيات التبادل الحر الموقعة مع أكثر من 50 دولة (الاتحاد الأوروبي، تركيا، الولايات المتحدة…) على تسهيل انسياب المنتجات الصناعية المغربية دون رسوم جمركية، مما زاد من تنافسيتها.

📢 شهادة: “السيارة المغربية تنافس اليوم في قلب السوق الأوروبية، وهذا لم يكن ممكنًا لولا جودة الإنتاج وتكلفة اليد العاملة المدروسة” – مسؤول في غرفة التجارة الفرنسية.

عند المقارنة مع باقي الدول الإفريقية، يبرز المغرب كمنافس حقيقي لجنوب إفريقيا، التي تُعتبر اللاعب الأكبر تقليديًا في هذا القطاع. فرغم أن جنوب إفريقيا تتفوق في تصنيع المحركات وبعض المكونات الإلكترونية، إلا أن المغرب يمتلك أسبقية في الكلفة، القرب من أوروبا، والتطور السريع في منظومة التكوين والتجهيزات.

أما بالنسبة لمصر، التي بدأت أيضًا في تعزيز قطاع السيارات، فلا تزال متأخرة عن المغرب من حيث حجم الإنتاج، ونسبة الإدماج المحلي، وحجم الصادرات.

كل هذه المعطيات تجعل من المغرب اليوم فاعلًا قاريا ودوليًا لا يمكن تجاهله في مجال صناعة السيارات، كما تعزز مكانته كمركز لتطوير الصناعة المستدامة والتكنولوجيا الحديثة في إفريقيا والضفة الجنوبية للمتوسط.

10. التحديات الحالية

رغم النجاحات الكبيرة التي حققها قطاع السيارات في المغرب، لا تزال هناك تحديات هيكلية وبنيوية تعرقل تطوره الكامل نحو صناعة مستقلة ومُبتكرة. وتكمن هذه التحديات في جوانب متعددة تشمل التكنولوجيات المعقدة، والاعتماد على الشركات الأجنبية، والتقلبات في سلاسل التوريد العالمية.

أول هذه التحديات يتمثل في ضعف تصنيع المكونات عالية التقنية، خصوصًا المحركات، أنظمة التحكم الإلكترونية، وبرمجيات القيادة الذاتية. فالمغرب لا يزال يعتمد على استيراد هذه المكونات من أوروبا وآسيا، ما يجعل الصناعة المحلية عرضة للتقلبات الدولية ولتضخم كلفة الإنتاج.

ثانيًا، يبرز التحدي المتعلق بالاعتماد شبه الكامل على الشركات متعددة الجنسيات. فرغم أن هذه الأخيرة جلبت معها الاستثمار والخبرة، إلا أن القرار الصناعي لا يزال بيد المراكز الرئيسية في فرنسا أو الصين أو غيرها، مما يجعل المغرب في موقع منفذ أكثر منه مطوّر أو مبتكر.

ثالثًا، تعاني بعض المقاولات الصغرى والمتوسطة المغربية من صعوبات في الاندماج الكامل في منظومة صناعة السيارات، بسبب ضعف التمويل، وقلة التكوين في المعايير الدولية للجودة، وندرة الولوج إلى الأسواق الكبرى للموردين.

رابعًا، تطرح التحولات المناخية وتحديات التنمية المستدامة ضغطًا إضافيًا على الصناعة، خاصة فيما يخص ضرورة الانتقال السريع نحو السيارات الكهربائية وتقنيات التصنيع النظيفة، وهو ما يتطلب استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، لا تزال محدودة بالمغرب.

📊 مؤشر: أقل من 10% من الشركات المحلية تستثمر في البحث الصناعي، حسب تقرير وزارة الصناعة لسنة 2022.

📢 شهادة: “نحتاج إلى مرحلة جديدة من التصنيع، تقوم على الابتكار المحلي، لا فقط على التجميع” – باحث اقتصادي من جامعة الحسن الثاني.

وأخيرًا، فإن المنافسة القوية من بلدان إفريقية صاعدة مثل مصر، إثيوبيا، ورواندا، تُحتّم على المغرب الحفاظ على تفوقه التكنولوجي والبنيوي عبر تحيين مستمر لاستراتيجياته، وتحفيز المقاولات الناشئة المحلية على الاندماج في سلاسل القيمة الدولية.

11. نحو صناعة وطنية خالصة؟ الحلم المغربي

في خضم التوسع المتسارع لصناعة السيارات بالمغرب، بدأ يظهر طموح جديد يتجاوز مجرد استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وهو السعي نحو إرساء صناعة وطنية خالصة، تتجسد في إطلاق علامات مغربية للسيارات، تعتمد على البحث المحلي، وتُلبِّي حاجيات السوق الداخلية والإفريقية.

هذا الحلم بدأ يتجسد على أرض الواقع في سنة 2023، حين أعلنت شركة “نيو موتورز” (Neo Motors)، وهي شركة مغربية تأسست بتمويل خاص، عن إنتاج أول سيارة مغربية 100%، من حيث التصميم والتصنيع. وقد جرى تدشين خط الإنتاج في المنطقة الصناعية بالقنيطرة بحضور العاهل المغربي، ما اعتُبر دعمًا ملكيًا مباشرًا لهذا التوجه نحو السيادة الصناعية.

السيارة التي أُنتجت تستهدف الفئات المتوسطة، وتتميز بتصميم عصري واستهلاك اقتصادي، وقد تم تطويرها من طرف مهندسين وتقنيين مغاربة، ما يمثل قفزة رمزية في بناء الثقة في القدرات الوطنية. كما أعلنت الشركة عن نيتها تصدير جزء من إنتاجها نحو أسواق إفريقيا جنوب الصحراء، لتكون بذلك أول شركة مغربية تدخل هذا المجال الحيوي.

إلى جانب ذلك، ظهر مشروع واعد آخر يحمل اسم NamX، وهو مشروع مشترك مغربي-أوروبي يعمل على تطوير سيارة تعمل بالهيدروجين الأخضر، مع التركيز على تقنيات القيادة الذكية والتصميم المستقبلي. وقد جرى تقديم النموذج الأولي للسيارة في معرض باريس الدولي للسيارات، ما أثار انتباه الإعلام العالمي.

📊 الهدف الإستراتيجي: تطوير منظومة صناعية مغربية خالصة تغطي كامل مراحل الإنتاج – من التصميم إلى التسويق – بنسبة إدماج محلي تفوق 80% في أفق 2030.

📢 شهادة: “نحن نؤمن بأن المستقبل يمر عبر سيارات مغربية بالكامل، وهو ما نشتغل عليه بكل جدية” – مدير الابتكار بشركة Neo Motors.

هذه الديناميات تعكس إرادة قوية في الانتقال من موقع المنفذ والمركِّب إلى موقع المطوِّر والمُبدع، وهو مسار طويل ومعقد، لكنه يفتح المجال أمام جيل جديد من الشركات الناشئة، ورواد الأعمال، والمهندسين المغاربة للمساهمة في بناء صناعة وطنية حقيقية ومستدامة.

12. شهادات من الداخل: أصوات من قلب الصناعة

لا تكتمل صورة الصناعة إلا من خلال شهادات العاملين في قلب خطوط الإنتاج ومراكز الإدارة والبحث. فهم الأدرى بتحولات القطاع، والتحديات اليومية، والإحساس بالانتماء إلى مشروع وطني متجدد.

🎙️ عامل تقني – مصنع PSA القنيطرة: “حين بدأت هنا قبل سنوات، لم أكن أعرف شيئًا عن السيارات. اليوم، أشرف على وحدة دقيقة في تركيب أنظمة الفرملة، وأدرب أطرًا جددًا. الصناعة غيرت حياتي، وأشعر أني أشارك في بناء مغرب صناعي حقيقي.”

🎙️ مهندس برمجيات – مركز تطوير Renault بالمغرب: “نحن لا نكتفي بتشغيل الآلات، بل نُصمم ونبتكر. أعمل على تحسين الخوارزميات التي تدير خطوط الإنتاج، وأشرف على مشاريع رقمنة داخل المصنع. هذه تجربة مهنية عالمية… ولكن داخل بلدي.”

🎙️ طالبة متدربة – معهد IFMIA طنجة: “كفتاة مغربية، لم أكن أتخيل نفسي يومًا في قطاع السيارات. اليوم، أطمح لأكون قائدة فريق صيانة في أحد أكبر المصانع. التكوين هنا ليس فقط تقنيًا، بل يفتح أبوابًا غير مسبوقة.”

🎙️ رئيس شركة مغربية ناشئة لتصنيع القطع: “نحن نشتغل على تطوير قطع مغربية موجهة لمصانع كبرى. صحيح أن الطريق صعب، لكن المغرب اليوم يتيح فرصًا حقيقية لمقاولات صغيرة تتقن الجودة وتطمح للشراكة الدولية.”

هذه الشهادات تعكس ليس فقط دينامية القطاع، بل أيضًا حجم التحول الاجتماعي والثقافي الذي أحدثته الصناعة في المغرب. فقد أصبح الشاب المغربي يرى في الصناعة مستقبلًا مشرفًا، لا فقط من حيث الدخل، بل من حيث الإحساس بالمسؤولية والمشاركة في بناء اقتصاد وطني مستقل وقائم على المعرفة.


13. التوزيع الجغرافي لصناعة السيارات في المغرب

لم تعد صناعة السيارات بالمغرب محصورة في جهة واحدة أو مدينة محددة، بل أصبحت تنتشر وفق منطق استراتيجي يغطي عدة مناطق، بما يضمن توزيعًا متوازنًا للثقل الصناعي، وتحفيز التنمية الإقليمية، وتسهيل سلاسل التوريد.

🔵 طنجة: العمود الفقري الصناعي تُعد طنجة أول قطب صناعي في هذا المجال، بفضل احتضانها مصنع Renault-Nissan، ومنطقة “طنجة أوتوموتيف سيتي” المتكاملة. وقد ساهم قربها من ميناء طنجة المتوسط في تسهيل الربط التجاري الدولي، كما عززت مشاريع التكوين والتجهيزات التكنولوجية موقعها كقاعدة إنتاجية موجهة للتصدير.

🔵 القنيطرة: مركز الدينامية التكنولوجية احتضنت القنيطرة مصنع PSA (Peugeot – Citroën – Opel)، إلى جانب عشرات الموردين المحليين والدوليين. وتم إنشاء معاهد تكوين متقدمة، وبنية تحتية ذكية، ما حول المدينة إلى قطب صاعد يعتمد على الكفاءة الرقمية والهندسة الصناعية. كما أنها أول مدينة احتضنت مشروع السيارة الكهربائية من إنتاج Stellantis.

🔵 الدار البيضاء: القلب الإداري والخدماتي رغم أن الدار البيضاء لم تعد تحتضن أكبر المصانع، إلا أنها تلعب دورًا محوريًا كمركز لتسيير الأعمال، البحوث الهندسية، والخدمات المرتبطة بالصناعة (التمويل، اللوجستيك، الابتكار…). كما تحتضن مقر شركة SOMACA التاريخية التي استمرت كمركز إنتاجي وتجميعي.

🔵 وجدة والناظور: آفاق التوسع الصناعي شرقًا في السنوات الأخيرة، برزت مبادرات لتوسيع الصناعة نحو الجهة الشرقية، مع تخصيص مناطق صناعية وتحفيزات جبائية. هناك توجه استراتيجي لإدماج هذه المناطق في سلاسل القيمة، وتقليص الضغط على محور الشمال-الوسط.

🔵 سوس-ماسة ومراكش-آسفي: قاعدة للمستقبل؟ تُجرى دراسات حاليًا لتطوير قطاعات تصنيع السيارات أو مكوناتها في جهات الجنوب والوسط، خصوصًا عبر خلق مناطق حرة جديدة، وربطها بموانئ أكادير وآسفي.

📊 إحصائية: أكثر من 70% من وحدات الإنتاج المرتبطة بالسيارات متمركزة حاليًا في محور طنجة–القنيطرة، مع نمو سنوي ملحوظ في المناطق الأخرى.

هذا التوزيع الجغرافي المتدرج يعكس إرادة الدولة في تجاوز منطق التمركز الصناعي، وإرساء نموذج صناعي متوازن، يربط بين الكفاءة الإنتاجية والعدالة المجالية، ما يساهم في خلق وظائف مستدامة وتحقيق تنمية مندمجة.

14. آفاق ما بعد 2025

مع اقتراب المغرب من تحقيق مكانة متقدمة عالميًا في صناعة السيارات التقليدية، بدأت تتبلور ملامح مرحلة جديدة لما بعد 2025، قائمة على الابتكار والانتقال البيئي والتحول الرقمي.

من أبرز الأهداف المسطرة رفع نسبة الإدماج المحلي إلى أكثر من 80%، خاصة في مكونات القيمة العالية مثل المحركات الكهربائية، أنظمة القيادة الذكية، والبطاريات. ولهذا، تم إطلاق مبادرات لتشجيع البحث العلمي التطبيقي، من خلال شراكات بين الجامعات والمصانع، وإنشاء حاضنات تكنولوجية داخل المناطق الصناعية.

كما يُراهن المغرب على أن يصبح قاعدة إفريقية لتصنيع السيارات الكهربائية والهجينة، في إطار الالتزام باتفاقيات المناخ وتعهدات خفض الانبعاثات. وتشكل مشاريع تصنيع البطاريات، وتطوير محطات الشحن، جزءًا من هذه الرؤية الطموحة.

من جهة أخرى، يُنتظر إدماج الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في خطوط الإنتاج، مما يُعزز الانتقال نحو الصناعة 4.0، ويتيح رفع الكفاءة وتقليص التكاليف، مع تحسين القدرة التنافسية على المستوى الدولي.

📊 توقعات رسمية: بلوغ صادرات بقيمة 20 مليار دولار سنويًا في قطاع السيارات بحلول 2030. 📢 شهادة: “المرحلة المقبلة تتطلب بناء منظومة مغربية مستقلة تواكب التحولات البيئية والرقمية، لا مجرد مصانع تجميع” – خبير صناعي دولي.

كما تُخطط الدولة لتوسيع خريطة التصنيع لتشمل مناطق جديدة غير مستغلة حتى الآن، مع توفير بنية تحتية ذكية ومستدامة، وربطها بشبكات النقل والموانئ.

كل هذه الآفاق تُرسّخ توجه المغرب نحو مرحلة نوعية جديدة، حيث لم يعد الهدف هو جذب الاستثمارات فحسب، بل التحول إلى بلد مُصنع ومبتكر ومُصدر للتكنولوجيا، بما يضمن تنمية مستدامة وشاملة تمتد آثارها إلى الأجيال القادمة.

15. خاتمة: من ورشة تجميع إلى قوة إقليمية

إن مسار تطور صناعة السيارات في المغرب ليس مجرد قصة اقتصادية، بل هو انعكاس لتحول عميق في الرؤية التنموية للدولة. فمنذ سنوات قليلة فقط، كان يُنظر إلى المغرب كبلد مستورد للسيارات، محدود الإمكانيات في مجال التصنيع، أما اليوم فقد أصبح مركزًا صناعيًا إقليميًا، ينافس على أسواق أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

التحول لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة عمل تراكمي على مدى عقود، انطلق من تجارب تجميع بسيطة، ومر عبر مراحل ركود ومراجعة، ليصل إلى مرحلة التصنيع المتكامل. وقد لعبت الإرادة الملكية، والرؤية الحكومية، والتعبئة المؤسساتية، دورًا جوهريًا في تأمين هذا المسار، عبر إرساء منظومة صناعية تقوم على الجودة، التكوين، والانفتاح على الابتكار.

ورغم التحديات، يظل المغرب اليوم من بين الدول القليلة في إفريقيا والعالم العربي التي استطاعت تطوير صناعة سيارات تنافسية، لا فقط من حيث الكمية، بل من حيث الكفاءة والربط العالمي. ومع إطلاق مشاريع وطنية خالصة مثل “نيو موتورز”، وطموحات تصنيع سيارات كهربائية وهيدروجينية، بات المغرب يقود تجربة فريدة تجمع بين الهوية الصناعية والسيادة البيئية.

إن قصة السيارات في المغرب ليست فقط عن المصانع والآلات، بل عن الإنسان المغربي الذي اكتسب خبرات، وتعلم، وابتكر، وتحول من مستخدم إلى مساهم في صناعة المستقبل.

وبذلك، يمكن القول إن المغرب لا يصنع سيارات فحسب، بل يصنع نموذجًا تنمويًا قائمًا على الإرادة، والتخطيط، والشراكة، والابتكار. نموذج قابل للتصدير مثل سياراته، ومُلهم لشعوب تسعى لنهضة اقتصادية عادلة ومستدامة.

كلمة أخيرة

إذا كانت صناعة السيارات قد شكّلت رافعة اقتصادية محورية للمغرب، فإن مستقبل هذا القطاع سيعتمد على مدى قدرة المملكة على ترسيخ مكانتها كدولة مصنِّعة، لا مجرد مجمّعة. فالمنافسة العالمية تتطلب تسريع وتيرة الابتكار، ورفع جودة التكوين، وإدماج التكنولوجيا الخضراء والرقمية في كل مراحل الإنتاج.

يبقى الأمل كبيرًا في أن يصبح المغرب، خلال العقد القادم، من بين الدول القليلة التي لا تكتفي باستقطاب العلامات العالمية، بل تُصدِّر علاماتها الخاصة، وتبني صناعة وطنية تُعبّر عن قدراته الحضارية، وذكائه الجماعي، ورؤيته لمستقبلٍ مزدهر ومستدام.

أضف تعليق