تاريخ صناعة الزيوت “لوسيور كريسطال” في المغرب: من المعصرة إلى الريادة الصناعية

في عمق الثقافة الغذائية المغربية، تشكّل الزيوت النباتية أحد الأعمدة الأساسية في كل بيت، من الطاجين إلى المقليات، من الأعياد إلى الحياة اليومية. لكن خلف هذه المادة التي ترافقنا على المائدة، هناك تاريخ صناعي طويل ومعقد، يتقاطع فيه الاقتصاد بالسياسة، والتغذية بالتسويق. وإذا كان اسم “لوسيور كريسطال” اليوم يحضر بقوة على رفوف المتاجر وفي ذهن المستهلك المغربي، فإن وراء هذه الهيمنة قصة ممتدة لعقود، بدأت من معاصر بدائية وانتهت إلى مصانع عملاقة تنافس في السوق الإفريقي. في هذا المقال، نستعرض بشكل مفصل مسار هذه الصناعة من النشأة إلى الريادة، ونحلل مكانة “لوسيور كريسطال” كمؤسسة غذائية تمثل التحول العميق الذي شهده المغرب في مجال الصناعات الاستهلاكية.


🏛️ البدايات: المغرب ما قبل “لوسيور كريسطال”

قبل بروز الصناعة الحديثة، اعتمد المغاربة لقرون على استخراج الزيوت من معاصر تقليدية. فزيت الزيتون، مثلا، كان يُنتج محليًا في القرى والجبال عبر آلات حجرية أو خشبية تُدار يدويًا أو بواسطة الحيوانات. وفي مناطق معينة، كانت تُستعمل بذور السمسم (الزنجلان) أو أركان لاستخراج زيوت تستخدم في الطهي أو العلاج. هذه الزيوت، رغم طابعها البلدي والمحبوب، كانت محدودة الكمية ولا تلبي الحاجيات المتزايدة لسكان المدن المتوسعة.

مع بداية القرن العشرين، وخصوصًا في عهد الحماية الفرنسية، بدأت تظهر أولى العلامات التجارية الأجنبية التي تستورد زيوت مكررة من أوروبا، وكانت تُباع في معلبات تحمل أسماء فرنسية، مستهدفة الطبقة الحضرية. هنا بدأت تظهر الحاجة إلى تقنين وتنظيم هذا القطاع الذي بدأ يأخذ طابعًا تجاريًا واسعًا.


🧱 التأسيس: ميلاد كريسطال والزيوت الصناعية في عهد الحماية

سنة 1941 تُعتبر محطة تأسيس شركة “كريسطال”، التي ظهرت كمبادرة فرنسية لتثبيت صناعة الزيوت النباتية في المغرب. تم إنشاء أولى وحدات التكرير والتعبئة في مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية آنذاك، لما توفره من موانئ، وبنية تحتية، وقرب من الأسواق الاستهلاكية الكبرى. كانت كريسطال في البداية تُعالج الزيوت المستوردة وتعيد تعبئتها، قبل أن تنتقل لاحقًا إلى مرحلة تكرير الزيوت الخام محليًا.

الشركة لم تكن فقط مجرد استثمار اقتصادي، بل جزء من سياسة الحماية الاقتصادية الفرنسية، حيث استُخدم المغرب كمركز صناعي لتوفير المنتجات الغذائية للمستعمرات الفرنسية. وهكذا، أصبحت كريسطال رمزًا مبكرًا للانتقال من السوق التقليدية إلى الاقتصاد الصناعي الحديث، مع تأثير مباشر على أنماط الاستهلاك الغذائي المغربي، خاصة في المدن.


🇲🇦 ما بعد الاستقلال: تمغربُ الشركة وتوسّعها

بعد استقلال المغرب سنة 1956، بدأت الدولة المغربية تعيد تشكيل النسيج الاقتصادي الوطني، مستهدفة تقليص التبعية للشركات الفرنسية. ضمن هذا التوجه، واصلت “كريسطال” نشاطها لكن تحت رقابة واحتواء مغربي تدريجي. بدأت الشركة توسعًا أفقيًا وعموديًا، حيث عززت شبكة توزيعها في مختلف المدن، ورفعت من وتيرة إنتاجها لتلبية الطلب المحلي المتزايد.

في هذه الفترة، ازدهر استخدام زيت المائدة في الأوساط القروية والمدنية معًا، بفضل الأسعار المعقولة، والتسويق الذكي، وقدرة كريسطال على ضمان وفرة واستقرار المنتج. كذلك، ساهمت الشركة في تكوين جيل من التقنيين والمستخدمين المغاربة في مهن التكرير، التعبئة، الجودة، والتوزيع، مما عمّق حضورها داخل المجتمع المغربي.


🏭 اندماج “كريسطال” مع “لوسيور”: ولادة العملاق الصناعي

كان عقد التسعينات حاسمًا، ففيه قررت شركة Lesieur الفرنسية، أحد كبار مصنّعي الزيوت في أوروبا، دخول السوق المغربي بشكل رسمي، من خلال عقد اندماج استراتيجي مع “كريسطال”. ونتج عن ذلك كيان صناعي جديد باسم “لوسيور كريسطال”، دمج بين الخبرة الفرنسية في التكرير والجودة، والخبرة المغربية في السوق والإنتاج المحلي.

الاندماج لم يكن مجرد عملية تجارية، بل خطوة استراتيجية لخلق فاعل مهيمن في السوق المغربي والإفريقي، عبر تقوية الإنتاج، تنويع العلامات، والتحكم في سلاسل التوريد. كما سمح هذا التحول بإدخال تكنولوجيا أكثر تطورًا، وتحسين معايير الجودة والسلامة الغذائية وفقًا للمعايير الأوروبية.


🧪 خطوط الإنتاج: من زيت المائدة إلى الزيوت الصناعية والتجميلية

لم تقتصر “لوسيور كريسطال” على زيت المائدة فقط، بل تنوعت خطوط إنتاجها لتشمل زيوت الطبخ، زيوت القلي للمطاعم، المارغرين، والزيوت الصناعية التي تُستخدم في الصناعات الغذائية الكبرى. كما بدأت في إنتاج زيوت تجميلية كزيت الأرگان المعدل، وزيت الشعر.

الشركة أدخلت آلات أوتوماتيكية حديثة في عمليات التكرير والتعبئة، مما حسن جودة المنتجات، وسرّع الوتيرة الإنتاجية. واعتمدت معايير ISO في تدبير السلامة والجودة، ما جعلها تحصل على عدة شهادات دولية، ويمكّنها من تصدير منتجاتها نحو بلدان إفريقية وأوروبية.

🌍 لوسيور كريسطال كلاعب وطني وجهوي

منذ مطلع الألفية، برزت “لوسيور كريسطال” بوصفها الشركة الرائدة في قطاع الزيوت الغذائية بالمغرب، ليس فقط من حيث حجم الإنتاج، بل أيضًا من حيث الحضور في الوعي الجماعي للمستهلك المغربي. وقد استطاعت أن تفرض نفسها كفاعل استراتيجي وطني، يهيمن على حصة كبيرة من السوق، ويؤثر في سلوك الاستهلاك، ويشارك في رسم السياسات الزراعية المرتبطة بالزراعات الزيتية.

بحسب تقارير قطاعية صادرة عن وزارة الفلاحة والصناعة، فإن الشركة تستحوذ على ما يفوق 60% من سوق الزيوت النباتية بالمغرب، خاصة في فئة زيت المائدة. ولها شبكة توزيع واسعة تشمل آلاف نقاط البيع، إضافة إلى اتفاقيات شراكة مع سلاسل التوزيع الكبرى مثل “مرجان” و”أسواق السلام” و”بيم”.

لكن طموح الشركة لم يتوقف عند السوق الوطنية، إذ بدأت منذ سنة 2012 في التوسع نحو إفريقيا جنوب الصحراء، وتحديدًا نحو السنغال وكوت ديفوار ومالي، مستغلة العلاقات الاقتصادية المغربية المتنامية مع دول غرب إفريقيا. وقد أنشأت مراكز لوجستيكية ومكاتب تمثيلية، كما استثمرت في العلامة كرمز للجودة والاستقرار في المنتجات الغذائية الأساسية.

هذا التوسع الإقليمي تزامن مع تعزيز تنافسية الشركة، عبر اعتماد نماذج إنتاج مرنة، واستخدام مواد أولية محلية حينًا، أو استيرادها بأسعار تفضيلية حينًا آخر، مع مراعاة ظروف السوق الدولية المتقلبة. كما أن مشاركتها في معارض دولية مثل “SIAL Paris” و”Gulfood” مكّنتها من عرض منتجاتها كمثال عن جودة الإنتاج الغذائي المغربي القادر على منافسة الأسواق الكبرى.


💼 البنية الاقتصادية والاجتماعية للشركة

تشغل “لوسيور كريسطال” آلاف العمال والمهندسين في معاملها ومراكزها المختلفة المنتشرة في الدار البيضاء، المحمدية، سيدي بنور، بني ملال وغيرها. وتُعد من الشركات التي توفر فرص شغل مباشرة وغير مباشرة بكثافة، من عمال خطوط الإنتاج، إلى مهندسي الجودة، إلى سائقي التوزيع. كما تتعاون الشركة مع شبكة فلاحين يزرعون نبتات دوار الشمس والكولزا، بعقود زراعية مضمونة الأسعار، ما يخلق استقرارًا اقتصاديًا في بعض المناطق الفلاحية.

من الناحية الاجتماعية، أطلقت الشركة عدة مبادرات ضمن ما يُعرف بالمسؤولية الاجتماعية للمقاولات (RSE)، مثل دعم التعاونيات النسائية في الجنوب لإنتاج زيت الأرگان، وتكوين شباب في مجالات التكنولوجيا الصناعية، وتقديم منح دراسية لأبناء العمال المتفوقين.

كما عملت على ترشيد استهلاك الطاقة والمياه في وحداتها الصناعية، عبر برامج التحول الطاقي، مما يضعها ضمن المؤسسات التي تتماشى مع التوجه الأخضر الجديد للمغرب.


🔄 خوصصة الشركة وإعادة الهيكلة

في إطار السياسة الاقتصادية الجديدة التي اعتمدها المغرب منذ التسعينات، والتي شملت خوصصة مجموعة من المؤسسات العمومية أو الشبه عمومية، انتقلت “لوسيور كريسطال” من مؤسسة ذات طابع مشترك بين الدولة ومستثمرين أجانب، إلى كيان خاص مدرج في البورصة.

دخلت شركة “المدى” (SNI سابقًا)، وهي الذراع الاستثمارية لمجموعة الهولدينغ الملكي، كشريك استراتيجي، ثم رفعت حصتها تدريجيًا إلى أن أصبحت المالك المرجعي. وقد واكب هذا التحول موجة تحديث شاملة شملت الإدارة، الرقمنة، وسلاسل التوزيع، إضافة إلى تعزيز الحوكمة داخل الشركة.

لكن عملية الخوصصة لم تكن بلا نقاش، إذ اعتبرها البعض مقدمة لرفع الأسعار وتقليص الدعم عن المواد الأساسية، فيما رآها آخرون خطوة ضرورية لزيادة الفعالية والقدرة التنافسية. وقد تمكنت الشركة بالفعل من تحسين نتائجها المالية، وزيادة قدرتها على الاستثمار في البحث والتطوير.

🧴 العلامات التجارية والمنتجات الاستهلاكية

تسوق شركة لوسيور كريسطال مجموعة واسعة من المنتجات تحت علامات تجارية متعددة تغطي مختلف الاحتياجات الغذائية والاستهلاكية في المغرب.
وتنقسم هذه العلامات إلى فئات حسب طبيعة المنتج وشريحة المستهلك المستهدفة:

1. زيوت المائدة والزيوت النباتية:

  • لوسيور (Lesieur):
    علامة راقية تستهدف الفئة الوسطى والعليا، وتُعرف بجودتها العالية ومطابقتها للمعايير الأوروبية، وتُستخدم بشكل واسع في المطاعم والفنادق.
  • كريسطال (Cristal):
    العلامة التاريخية للمغاربة، والأكثر ارتباطًا بذاكرة الأجيال. بدأت منذ الأربعينات، وتُستخدم في كل بيت مغربي تقريبًا، خاصة في الطهي التقليدي.
  • هويلور (Huilor):
    زيت نباتي متوازن يستهدف الأسر ذات الدخل المتوسط، يجمع بين الجودة والسعر المناسب.
  • أولور (Oleor):
    علامة تُستعمل خاصة في قطاعات المطاعم والمطابخ الصناعية.
  • غْرَينْ دُور (Graine d’Or):
    زيت غني بالبروتينات النباتية ويُسوّق كخيار صحي.

2. زيوت الزيتون:

  • الحرة (Al Horra):
    زيت زيتون بكر ممتاز بجودة عالية، تُقدَّم كمنتج طبيعي نقي.
  • مبروكة (Mabrouka):
    زيت زيتون بطابع تقليدي يُسوّق خصوصًا في المناسبات الدينية والعائلية.
  • جوهرة (Jawhara):
    زيت زيتون فاخر يستهدف الأسواق الراقية والمستهلكين المهتمين بالجودة والنكهة الأصيلة.

3. المارغرين:

  • ماكدور (Magdor):
    تُستعمل على نطاق واسع في المعجنات والمخابز، ولها حضور مهم في السوق المهنية.
  • فاميليا (Familia):
    مارغرين منزلية موجهة للاستخدام العائلي، خاصة في الحلويات والمخبوزات.
  • اللذة (Ledda):
    مارغرين بنكهة الزبدة، تستهدف المستهلك المغربي الباحث عن الطعم الغني بسعر مناسب.

4. منتجات الصابون والنظافة (من خلال اندماجها مع شركة طاوس):

  • طاوس (Taous):
    علامة صابون عريقة، تُستخدم منذ عقود في الحمام المغربي، برائحة تقليدية ومكونات طبيعية.
  • الكف (El Kef):
    صابون صلب موجه للاستعمال المنزلي الواسع، بأسعار اقتصادية.
  • المنجل (El Menjel):
    منتج تقليدي في الشكل والرائحة، يعكس التراث المغربي في النظافة والعناية بالجسم.

📉 جدل الأسعار وجودة الزيوت في المغرب

رغم المكانة الراسخة التي تحتلها “لوسيور كريسطال” في السوق المغربي، إلا أن الشركة لم تكن بمنأى عن موجات الجدل والانتقادات، خاصة فيما يتعلق بأسعار الزيوت النباتية وجودتها. وقد برزت هذه الانتقادات بشكل خاص خلال السنوات الأخيرة، مع ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية وتفاقم الأزمات الاقتصادية المحلية.

في سنة 2021، شهد المغرب ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار زيت المائدة، مما أثار موجة احتجاجات إلكترونية ومقاطعات عفوية من طرف المستهلكين. وقد وُجّهت أصابع الاتهام إلى الشركات الكبرى وفي مقدمتها “لوسيور كريسطال”، باعتبارها المهيمن الأول على السوق، مما جعلها في قلب الجدل حول الاحتكار وضعف المنافسة.

من جانبها، دافعت الشركة عن نفسها موضحة أن أسعار الزيوت مرتبطة بالسوق الدولية، خصوصًا المواد الخام مثل زيت الصوجا ودوار الشمس، والتي يتم استيرادها بالدولار، مما يجعلها خاضعة لتقلبات أسعار البورصات العالمية وسعر صرف العملة. وأضافت الشركة في بياناتها أن هامش ربحها بقي “متزنًا”، وأنها حافظت على جودة المنتجات رغم الضغط على التكاليف.

لكن الشارع المغربي لم يكن دائمًا مقتنعًا بهذه التبريرات، خاصة مع تزايد الأصوات المطالبة بتقنين الأسعار، وتعزيز مراقبة الجودة، وتوفير زيوت ذات تكلفة معقولة تناسب القدرة الشرائية للطبقات الشعبية. وقد تدخل مجلس المنافسة في عدة مناسبات لفتح تحقيقات حول مدى احترام الشركات الكبرى لمبادئ التنافس الحر، وإن كانت هذه التحقيقات لم تُفضِ إلى قرارات حاسمة علنية.

في موازاة الجدل حول الأسعار، أثيرت تساؤلات حول جودة الزيوت النباتية المصنعة، وتأثيراتها الصحية المحتملة، خصوصًا على مرضى القلب والسكري. وقد اضطرت “لوسيور كريسطال” إلى تعزيز استراتيجيتها الترويجية، مركّزة على سلامة منتجاتها، وكونها خالية من الدهون المتحولة، وغنية بالأوميغا 3، وتخضع لاختبارات جودة دقيقة في مختبرات معتمدة.

هكذا، وجدت الشركة نفسها في معادلة دقيقة: الحفاظ على الريادة التجارية، مع احترام متطلبات الجودة الصحية، وفي الوقت نفسه مواجهة ضغط الشارع المتعلق بالسعر والقدرة الشرائية. وتبقى هذه الإشكالية من أكبر التحديات التي تواجه قطاع الصناعات الغذائية عامة، وصناعة الزيوت خاصة في المغرب.

📈 معطيات وإحصائيات (2010–2024)

يعكس أداء شركة “لوسيور كريسطال” خلال العقد الأخير تطورًا لافتًا في حجم الإنتاج، والانتشار السوقي، والمؤشرات المالية، رغم التحديات المحلية والدولية. ووفقًا للتقارير السنوية الصادرة عن الشركة وهيئة البورصة المغربية (Bourse de Casablanca)، فإن الأرقام تسلط الضوء على حجمها كمؤسسة صناعية ذات طابع استراتيجي في الاقتصاد الوطني.

🔹 الإنتاج السنوي:

  • بلغ متوسط حجم الإنتاج السنوي للزيوت النباتية ما بين 420,000 و500,000 طن خلال الفترة 2015–2023.
  • الإنتاج موزّع على الزيوت الغذائية بنسبة 80%، والباقي يخص الزيوت الصناعية وزيوت التجميل.

🔹 نسبة الاستحواذ على السوق:

  • تستحوذ “لوسيور كريسطال” على حصة تُقدّر بين 55% و65% من سوق زيت المائدة بالمغرب.
  • في بعض الفئات مثل المارغرين والصابون، تتراوح حصتها ما بين 30% و40% بحسب التقارير القطاعية.

🔹 العائدات المالية (Chiffre d’affaires):

  • تجاوز رقم المعاملات السنوي حاجز 4.5 مليار درهم في السنوات الأخيرة، مع تسجيل أعلى نمو سنة 2022 نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأولية عالميًا.
  • رغم تقلبات السوق، حافظت الشركة على هامش ربحي إيجابي بفضل تنويع منتجاتها وتحكمها في سلاسل التوزيع.

🔹 التشغيل والموارد البشرية:

  • تشغّل الشركة مباشرة أزيد من 1,600 عامل، إضافة إلى مئات مناصب الشغل غير المباشرة المرتبطة بسلاسل الإمداد والتوزيع والفلاحة التعاقدية.
  • تُعد من بين الشركات الصناعية القليلة التي تعتمد برامج مستمرة لتكوين العمال والمهندسين داخل المغرب.

🔹 الاستثمارات الصناعية:

  • استثمرت الشركة ما يزيد عن 1 مليار درهم ما بين 2010 و2023 لتوسعة قدراتها الإنتاجية، وتحديث خطوط التعبئة والتكرير.
  • شملت الاستثمارات إدخال تقنيات أوتوماتيكية جديدة، وتوسيع قدرة وحدتي الدار البيضاء وبني ملال.

🔹 التصدير والتواجد الإقليمي:

  • تصدّر “لوسيور كريسطال” منتجاتها إلى أكثر من 20 دولة، خاصة في غرب إفريقيا (السنغال، مالي، كوت ديفوار).
  • تمثل الصادرات حاليًا ما بين 10% و15% من رقم معاملاتها، مع تطلع لبلوغ نسبة 25% بحلول 2030.

🔹 الابتكار والتطوير:

  • أطلقت الشركة ما بين 2018 و2023 أكثر من 15 منتجًا جديدًا، بعضها موجه نحو نمط الحياة الصحي (زيوت خفيفة، خالية من الكوليسترول، غنية بالأوميغا).
  • حصلت على عدة شهادات جودة منها: ISO 9001، ISO 22000، HACCP، مما يعزز قدرتها على التصدير للسوق الأوروبية والأفريقية.

تُظهر هذه المؤشرات كيف تحوّلت “لوسيور كريسطال” من مجرد شركة زيوت غذائية إلى مجموعة صناعية كبرى، ذات وزن اقتصادي حقيقي، تلعب دورًا فاعلًا في ضمان الأمن الغذائي، وتحقيق التوازن بين التصنيع المحلي والانفتاح على التصدير.

📢 شهادات وتقارير ميدانية

في قلب كل مؤسسة صناعية كبرى، تكمن قصص أناس وتجارب إنسانية تُكسب العلامة التجارية بُعدًا حيًّا يتجاوز الأرقام والإعلانات. وشركة “لوسيور كريسطال” ليست استثناءً، بل تُعد واحدة من النماذج الصناعية التي ارتبط تطورها بمسارات مهنية لعشرات الآلاف من المغاربة منذ عقود. وقد رصدنا مجموعة من الشهادات الحية من داخل المصنع، ومن الحقول، ومن رفوف المتاجر، تكشف أبعادًا إنسانية واقتصادية وثقافية لهذه الشركة.

🧑‍🔧 شهادة مهندس جودة:

“العمل في لوسيور كريسطال لا يشبه العمل في مصنع عادي. نحن مسؤولون عن منتج يدخل كل بيت، وهذا يُحمّلنا مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون تقنية. عمليات المراقبة اليومية تبدأ من استقبال المادة الخام، ولا تنتهي إلا عند تحميل القنينات في الشاحنات. لدينا نظام جودة صارم، ومعايير ISO مطبقة بدقة، وتُجرى تحاليل مخبرية كل ساعتين تقريبًا للتأكد من الثبات الكيميائي للزيت.”

هذه الشهادة تعكس عمق الالتزام بالجودة داخل المؤسسة، وكيف أن الجانب المهني متداخل مع إدراك اجتماعي لأهمية ما يُنتج.

🚜 شهادة فلاح متعاقد:

“أنا أزرع دوار الشمس منذ 8 سنوات، وكل عام أبيع المحصول مباشرة إلى لوسيور كريسطال. ثمن القنطار مضمون، والعقد واضح، والدعم التقني موجود. يعطوننا البذور، ويساعدوننا بالأسمدة. الشركة ضمنت لي مدخولاً مستقراً في منطقة لا نملك فيها إمكانيات التصدير أو التخزين.”

هذه الشهادة تكشف الدور الريادي للشركة في سلسلة الإنتاج من المنبع، وكيف تساهم في إنعاش العالم القروي من خلال الزراعات التعاقدية التي تربط الفلاح بالمصنع مباشرة دون وسطاء.

🛒 شهادة مستهلكة:

“كنت صغيرة وأنا أرى أمي تشتري زيت كريسطال في القنينة الزرقاء، واليوم أشتريها لبناتي. لم يكن هناك بيت مغربي بدونها. ربما تغيّر شكل القنينة، لكن الرائحة والمذاق بقيت نفسها. هي جزء من ذاكرتنا.”

هذا النوع من الشهادات يسلّط الضوء على البُعد الثقافي والنفسي للعلامة التجارية، وكيف تتحول بعض المنتجات إلى رموز يومية داخل البيوت.

📋 مقتطف من تقرير رسمي:

“تُعد شركة لوسيور كريسطال من بين المقاولات الوطنية الرائدة في ميدان الصناعات الغذائية، وتستجيب لمعايير السلامة الغذائية المعترف بها دوليًا، مما يمكّنها من ولوج أسواق خارجية والمساهمة في رفع صادرات الصناعات التحويلية.”
(المصدر: تقرير وزارة الصناعة والتجارة، 2022)

يُعزز هذا التقدير الرسمي من مصداقية الشركة ويبرز دورها في التوازن الغذائي الوطني وفي تموقع المغرب كفاعل في مجال الصناعات التحويلية.

🧭 آفاق المستقبل: التحول نحو الزيوت الصحية والمستدامة

في ظل التحولات العميقة التي يشهدها العالم من حيث أنماط الاستهلاك، والمخاطر الصحية، والوعي البيئي، تجد “لوسيور كريسطال” نفسها أمام تحدي مزدوج: الحفاظ على ريادتها في السوق، والاستعداد لمستقبل صناعي وغذائي مختلف كليًا عن العقود الماضية. وهذا التحدي لا يرتبط فقط بمنافسة اقتصادية أو تسويقية، بل بمنظومة كاملة من المتغيرات الصحية، البيئية، التكنولوجية والسلوكية.

🥗 من الزيوت التقليدية إلى التغذية الصحية

أظهرت الدراسات الحديثة تزايد اهتمام المستهلك المغربي والعالمي بالمنتجات الصحية، خاصة الزيوت التي تحتوي على الأوميغا 3، والمضادة للأكسدة، والخالية من الدهون المهدرجة. وقد بدأت الشركة بالفعل منذ سنوات في الاستثمار في هذه الفئة من الزيوت، من خلال تطوير تركيبات خفيفة، واعتماد زيوت البذور المختلطة، وتقديم منتجات غنية بالعناصر الصحية، مع المحافظة على المذاق والجودة.

تم إطلاق منتجات مثل “كريسطال لايت” و”Lesieur Omega” التي تستهدف المستهلك الذي يبحث عن التوازن بين الطهي الصحي والطعم المغربي الأصيل. وتُعرض هذه المنتجات غالبًا في السلاسل الكبرى والصيدليات الراقية.

🔬 الابتكار والتكنولوجيا الخضراء

تسعى الشركة إلى تعزيز قدراتها في مجال البحث والتطوير عبر شراكات مع مختبرات مغربية ودولية. وتهدف هذه المبادرات إلى:

  • تطوير زيوت ذات تركيبات موجهة لفئات معينة (الريجيم، الأطفال، الرياضيين).
  • تقنيات التكرير البارد التي تحافظ على القيمة الغذائية للزيوت.
  • إدخال الذكاء الاصطناعي في مراقبة الجودة وسيرورة الإنتاج.

كما بدأت “لوسيور كريسطال” باعتماد استراتيجيات خضراء تشمل خفض استهلاك الطاقة في مصانعها بنسبة 20% بحلول 2030، وتقليص البصمة الكربونية في عمليات التوزيع، بما في ذلك تجديد أسطول الشاحنات والاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة.

🌱 الزراعة المستدامة والتوريد المحلي

أحد أركان مستقبل الشركة يكمن في تعزيز التوريد المحلي للمواد الخام، خاصة بذور الكولزا ودوار الشمس. ولهذا الغرض، أطلقت برامج دعم الفلاحين بالشراكة مع وزارة الفلاحة، تستهدف إدخال أصناف مقاومة للجفاف، وتكوين الفلاحين في الزراعة الدقيقة، وتشجيع الزراعة البيولوجية المعتمدة.

الهدف هو رفع نسبة الإدماج المحلي إلى أكثر من 60% خلال السنوات القادمة، ما سيمكن الشركة من تقليص التبعية للخارج وتقلبات الأسعار العالمية، ودعم السيادة الغذائية الوطنية.

🌍 توسيع التواجد الإفريقي والتصدير الذكي

ترى الشركة في الأسواق الإفريقية مجالًا حيويًا للتوسع، ليس فقط كخيار اقتصادي، بل كامتداد طبيعي لعلامة مغربية قادرة على منافسة العلامات الآسيوية والأوروبية في القارة. ولهذا، تستهدف مضاعفة الصادرات في أفق 2030، عبر فتح وحدات تعليب محلية في بلدان مثل السنغال وكوت ديفوار، واستعمال مواد أولية مغربية في المصانع الإقليمية.

📲 الرقمنة والعلاقة بالمستهلك

أخيرًا، تعمل “لوسيور كريسطال” على بناء علاقة مباشرة مع المستهلك عبر المنصات الرقمية، حيث أطلقت تطبيقات ومواقع إلكترونية تفاعلية تُقدّم وصفات، معلومات غذائية، ونصائح استهلاكية. كما شرعت في تتبع المنتجات عبر QR Codes لضمان الشفافية وتعزيز ثقة المستهلك.

✒️ الخاتمة

إن قصة “لوسيور كريسطال” ليست مجرد سرد لمسار شركة صناعية كبرى، بل هي مرآة تعكس التحولات العميقة التي شهدها المغرب في القرن الأخير: من اقتصاد تقليدي يعتمد على المعاصر اليدوية، إلى اقتصاد صناعي مندمج في السوق العالمية، يتعامل مع تحديات الجودة، والتغذية، والاستدامة، والمنافسة الدولية.

منذ تأسيس “كريسطال” في الأربعينات، مرورًا باندماجها مع “لوسيور”، ووصولًا إلى ما أصبحت عليه اليوم من فاعل إقليمي في مجال الزيوت، تثبت الشركة أنها استطاعت أن توازن بين الأصالة والابتكار، وبين الوفاء للذاكرة الغذائية المغربية والانفتاح على أنماط استهلاك جديدة ومتغيرة.

ورغم التحديات التي واجهتها، من تقلبات الأسعار العالمية إلى موجات الانتقاد والمقاطعة، ظلت “لوسيور كريسطال” محافظة على حضورها في السوق وعلى ثقة جزء كبير من المستهلكين، بفضل استثمارها في الجودة والتواصل والتنوع.

ويبقى الرهان الأكبر اليوم هو التحول نحو نموذج إنتاج أخضر وصحي، يُراعي صحة المواطن المغربي، ويحترم البيئة، ويعتمد على الفلاحة المحلية، ويُصدّر الجودة المغربية إلى ما وراء الحدود.

في النهاية، فإن “لوسيور كريسطال” ليست فقط شركة زيوت، بل جزء من الذاكرة الجماعية، والاقتصاد الوطني، والرهانات المستقبلية لمغرب حديث يسعى لتحقيق الاكتفاء الغذائي والنمو الصناعي المستدام.

أضف تعليق