تاريخ الزلازل في المغرب

🧭 المقدمة

منذ قرون والمغرب يشهد هزات زلزالية متفاوتة الشدة، جعلت من هذا البلد المتوسطي أرضًا محفوفة بالمفاجآت الجيولوجية. فعلى الرغم من الطابع السلمي الذي يطبع معيش الناس اليومي في معظم مناطقه، فإن باطن الأرض المغربية لا يهدأ أبدًا، محتفظًا بتاريخ صاخب من الاضطرابات الزلزالية. إن دراسة هذا التاريخ لا تقتصر فقط على تعداد الكوارث الطبيعية التي حلت بالبلاد، بل تتعداها إلى فهم عميق لطبيعة الأرض المغربية، ولطريقة تعامل المجتمع والدولة مع هذه الظاهرة الطبيعية المتكررة. وبين الزلازل القديمة التي دونتها كتب التاريخ، والهزات الحديثة التي التقطتها أجهزة الرصد، تتشكل أمامنا خريطة زلزالية معقدة تحمل في طياتها دروسًا للوقاية وأخرى للذاكرة. يهدف هذا المقال إلى استعراض الخلفية الجيولوجية للمغرب، والوقوف عند أبرز الزلازل التي عرفتها البلاد عبر العصور، وتحليل أثرها على العمران والمجتمع والسياسات العمومية، في محاولة لتكوين وعي تاريخي واستباقي تجاه أحد أخطر التهديدات الطبيعية التي تلوح في أفق البلاد.

🌍 الخلفية الجيولوجية للمغرب

1.1 الموقع التكتوني للمغرب

يقع المغرب على تقاطع جغرافي بالغ الحساسية بين الصفيحتين التكتونيتين الإفريقية والأوراسية، وهو ما يجعله ضمن منطقة ذات نشاط زلزالي متكرر. تمتد حدود الصفيحتين عبر شمال المغرب، مرورًا بسلسلة جبال الريف والواجهة المتوسطية، حيث تبرز مناطق الاحتكاك والانزلاق التي تولّد أغلب الزلازل. هذا الوضع الجيولوجي ليس وليد اليوم، بل هو نتاج ملايين السنين من التحولات الباطنية التي ساهمت في تكوين تضاريس البلاد كما نعرفها اليوم. ولعل الموقع الحدودي بين الصفيحتين هو ما يجعل الشمال المغربي، وخاصة منطقة الريف الشرقي، من أكثر المناطق عرضة للهزات، تليها سلسلة الأطلس الكبير والمتوسط. هذه المعطيات التكتونية تفسر سبب تركز أغلب الزلازل القوية في هذه البؤر النشطة، وتضع المغرب في مصاف الدول المعرضة لمخاطر زلزالية معتبرة، وإن لم يكن ذلك بنفس حدة دول حزام النار أو اليابان.

1.2 الأنواع الشائعة للزلازل في المغرب

تشير الدراسات الجيوفيزيائية إلى أن الزلازل في المغرب تنتمي أساسًا إلى نوع الزلازل التكتونية الناتجة عن تحركات الصفائح، لا الزلازل البركانية النادرة. هذا ما يفسر عدم ارتباط الظاهرة بالنشاط البركاني المعروف في مناطق محدودة من الجنوب الشرقي أو الأطلس. وتنقسم الزلازل المسجلة في المغرب إلى زلازل سطحية تكون عادةً أقل ضررًا، وزلازل عميقة قد تكون مدمرة إذا ما اقتربت من مناطق مأهولة. وقد شهد المغرب خلال العقود الأخيرة تسجيل عدد من الزلازل ذات العمق المتوسط، مما يمنحها قدرة تخريبية عالية، خاصة عندما تتزامن مع ضعف البنية المعمارية وغياب إجراءات السلامة. هذا التنوع في شدة الزلازل ومواقعها يزيد من تعقيد المشهد الزلزالي في البلاد، ويجعل الرصد والتوقع مهمة صعبة، لكنها ضرورية.

📜 الزلازل التاريخية الكبرى في المغرب

2.1 زلزال فاس سنة 1522

في مستهل القرن السادس عشر، وتحديدًا سنة 1522، عرفت مدينة فاس واحدة من أعنف الكوارث الطبيعية في تاريخها، زلزال دمّر جزءًا واسعًا من المدينة، مخلّفًا خسائر بشرية ومادية فادحة. وعلى الرغم من محدودية المعطيات الجيولوجية الدقيقة في تلك الفترة، إلا أن المصادر التاريخية تشير إلى أن الزلزال كان بالغ القوة، إذ تهدمت آلاف المنازل، وسقطت مآذن وزوايا، وارتفعت صيحات الاستغاثة في أزقة المدينة القديمة. وقد اعتُبر الزلزال حينها “غضبًا من السماء”، في سياق تغلب عليه التفسيرات الدينية والقدرية. سجّل المؤرخون، مثل الونشريسي وابن القاضي، آثار الزلزال على النسيج الحضري والاجتماعي، مؤكدين أن المدينة احتاجت سنوات عديدة حتى استعادت جزءًا من عافيتها. شكّل هذا الزلزال أول تنبيه تاريخي لكون المغرب ليس في منأى عن الزلازل، بل إن حواضر عتيقة كمثل فاس، وإن بدت محمية بسورها وعمارتها، تظل هشة أمام غضب باطن الأرض.

2.2 زلزال أكادير 1960

في ليلة 29 فبراير 1960، وبينما كان المغاربة يحتفلون بالمولد النبوي، ضرب زلزال مدمر مدينة أكادير، مخلّفًا كارثة إنسانية بكل المقاييس. بلغت قوة الزلزال حوالي 5.7 درجات فقط على سلم ريختر، وهي قوة متوسطة، لكن قربه من سطح الأرض (عمق حوالي 15 كلم) جعل منه زلزالًا شديد التدمير. خلال أقل من 15 ثانية، سُوِّيت أحياء بكاملها بالأرض، ولقي ما يناهز 15 ألف شخص مصرعهم، بينما شُرّد عشرات الآلاف. تحوّلت المدينة إلى أنقاض، وانبثقت من تحت الركام أسئلة مؤلمة حول هشاشة البنية التحتية، وسوء التخطيط العمراني، وغياب ثقافة الوقاية من الزلازل. كانت استجابة الدولة الملكية بقيادة الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك) قوية، وتم اتخاذ قرار تاريخي بإعادة بناء المدينة في موقع جديد أكثر أمانًا جنوبًا. منذ ذلك الحين، صار زلزال أكادير مرجعًا في الحديث عن الكوارث الطبيعية في المغرب، وعنوانًا لذاكرة جماعية مثقلة بالحزن، لكنها غنية بالدروس والعبر.

2.3 زلزال الحسيمة 2004

أربعة عقود بعد مأساة أكادير، استيقظت مدينة الحسيمة والمناطق المجاورة لها، فجر يوم 24 فبراير 2004، على زلزال بلغت قوته 6.3 درجات على سلم ريختر. مركز الزلزال كان في عرض البحر المتوسط، لكنه لم يكن بعيدًا عن الشاطئ، مما جعله مدمرًا في عدة دواوير وبلدات مثل إمزورن وبني بوعياش. بلغ عدد القتلى حوالي 630 شخصًا، وأُصيب أكثر من 900 آخرين، إضافة إلى انهيار آلاف المنازل التقليدية، خصوصًا في القرى ذات البناء الطيني الهش. أعادت الكارثة طرح قضية تأخر تدخل فرق الإنقاذ، وضعف التنسيق بين السلطات، وغياب خطط طوارئ فعالة. إلا أن ما ميز هذه الفاجعة أيضًا هو بروز المجتمع المدني كفاعل جديد في الميدان، حيث لعبت الجمعيات المحلية دورًا كبيرًا في الدعم والإيواء والإعلام، مما شكّل لحظة تحوّل في علاقة المواطنين بالكوارث الطبيعية. كما دفع الزلزال الحكومة إلى مراجعة قوانين البناء، وتعزيز جهاز الرصد الزلزالي.

2.4 زلزال الحوز 2023

في ليلة التاسع من شتنبر 2023، عاش المغرب على إيقاع أحد أقوى الزلازل في تاريخه المعاصر، حيث ضرب زلزال بلغت قوته 6.8 درجات منطقة الحوز في عمق الأطلس الكبير، مخلفًا دمارًا هائلًا وصدمة وطنية شاملة. على عكس الزلازل الساحلية المعتادة، وقع هذا الزلزال في منطقة جبلية داخلية، مأهولة بعدد كبير من الدواوير التي تعاني أصلًا من العزلة وضعف البنية. أدى الزلزال إلى مقتل حوالي 3000 شخص، وتشريد عشرات الآلاف، خصوصًا في مناطق مثل إيغيل وتارودانت وأمزر. سرعان ما تحركت الدولة عبر القوات المسلحة الملكية، وتم فتح مسالك الإغاثة، لكن حجم الكارثة كان أكبر من إمكانات أي جهة. كما أبان هذا الحدث عن الحاجة إلى التفكير في نماذج معمارية مقاومة للزلازل تلائم المناطق الجبلية، بعيدًا عن أنماط البناء التقليدي غير الآمن. لم يكن زلزال الحوز مجرد كارثة طبيعية، بل محطة فاصلة في الوعي الوطني بخطورة المخاطر الزلزالية، ودعوة لإعادة النظر في مقاربة الدولة للوقاية والتهيئة الترابية.


📍 الزلازل الكبرى في تاريخ المغرب

السنةالموقعالقوة (درجات ريختر)عدد الضحاياالملاحظات
1755سواحل المحيط الأطلسي8.5 (تقريبي)الآلافارتبط بزلزال لشبونة، وضرب أجزاء من شمال المغرب
1755مكناسغير محددة15.000 تقريباًدُمّرت المدينة، وهجرها سكانها لسنوات
1960أكادير5.715.000 تقريباًالزلزال الأكثر دماراً في تاريخ المغرب المعاصر
2004الحسيمة6.3628 قتيل، 926 جريحضرب في وقت الفجر وهدم مئات المنازل
2023الحوز (مراكش – تارودانت)6.8>3000 قتيلمن أعنف الزلازل الداخلية منذ قرون

🔍 الزلازل المنسية والزلازل المتكررة

3.1 زلازل لم يتم توثيقها إلا في القرن العشرين

إلى جانب الزلازل الكبرى التي تركت بصمات واضحة في الذاكرة الجماعية، عرف المغرب سلسلة من الهزات التي لم تحظ بنفس التوثيق أو الاهتمام، إما لأنها وقعت في فترات لم تكن فيها وسائل الرصد متقدمة، أو لأنها ضربت مناطق نائية أو أقل كثافة سكانية. ومن بين هذه الزلازل، يُذكر زلزال تطوان في القرن الثامن عشر، والذي أشارت بعض الكتابات الإسبانية إلى أنه تسبب في اهتزاز عنيف للمدينة وأثر على سكانها، لكن لم يُوثق بشكل دقيق داخل الأرشيف المغربي. كما يُروى عن زلزال ضرب منطقة مليلية وما جاورها، خلّف خسائر في البنية التقليدية للمنازل، إلا أن التفاصيل عنه تظل شحيحة. هذه الزلازل “المنسية” تكشف عن وجود تاريخ خفي من النشاط الزلزالي لم يُروَ كما ينبغي، وربما يحمل في طياته مفاتيح مهمة لفهم البنية الزلزالية الحقيقية للبلاد. إنها تذكير بأن التاريخ لا يُكتب فقط بالكوارث الكبرى، بل أيضًا بارتعاشات صغيرة تركت آثارًا لم تُروَ بعد.

3.2 الزلازل الصغرى المتكررة

لا يمر عام في المغرب دون تسجيل عشرات الهزات الأرضية الخفيفة، خاصة في منطقتي الريف الشرقي وساحل الناظور والحسيمة، بالإضافة إلى جنوب الأطلس والواجهة الأطلسية. وغالبًا ما تكون هذه الهزات ضعيفة الشدة، بحيث لا يشعر بها السكان، لكنها تُرصَد بفضل تطور أجهزة المعهد الوطني للجيوفيزياء. غير أن تكرار هذه الهزات ليس أمرًا عابرًا، بل قد يكون مؤشرًا على تراكم ضغوط تكتونية يمكن أن تؤدي، عاجلًا أم آجلًا، إلى زلزال قوي. كما أن بعض هذه الهزات تكون مصحوبة بأصوات مدوية غريبة تُعرف محليًا باسم “الدوي الأرضي”، وقد أثارت في مرات كثيرة هلع السكان وتكهنات متضاربة. هذه الزلازل الصغيرة، رغم أنها لا تخلف خسائر كبيرة، إلا أن أثرها النفسي وتراكمها الزمني يجب أن يؤخذ على محمل الجد، خصوصًا في ظل غياب خطط تحسيسية لدى السكان وبلديات المناطق النشطة. إن التعامل مع الزلازل لا يجب أن يقتصر على الكوارث الكبرى، بل يجب أن يشمل فهم السياق الزلزالي المتكرر الذي تعيشه البلاد.

🛡️ كيف واجه المغاربة الزلازل عبر التاريخ؟

4.1 المعتقدات الشعبية والزلازل

على مر العصور، لم يكن للإنسان المغربي الوسائل العلمية الكافية لفهم أسباب الزلازل، ففسّرها ضمن المنظومة الثقافية والدينية السائدة. في الوعي الشعبي، لم تكن الزلازل مجرد ظواهر جيولوجية، بل غالبًا ما رُبطت بـ”غضب الله” أو “علامات الساعة”. في مناطق الأطلس والريف، ما زالت تعابير مثل “الرض هازت” تُقال تعبيرًا عن حدث جلل يتجاوز القدرة على التفسير. وتداول الناس قصصًا عن أرواح تحت الأرض أو غضب الأولياء، تُروى غالبًا على شكل أساطير أو مرويات شفوية. هذه التأويلات، وإن بدت خارجة عن المنطق العلمي، شكّلت شكلًا من أشكال التفسير الذي خفف من هول الكارثة، وزرع في النفوس نوعًا من القبول القدري.

لكن هذا التصور كانت له تبعات على مستوى السلوك الجمعي، إذ ساهم أحيانًا في التقليل من أهمية الاستعداد المسبق، باعتبار أن ما يحصل “مقدّر لا مرد له”. غير أن الملاحظ في السنوات الأخيرة هو بداية التحول التدريجي، خصوصًا في المناطق التي عرفت زلازل كبرى، حيث بدأ السكان يربطون بين البناء الهش والزلازل، ويطالبون بمساكن آمنة بدل الاتكال على “القدر” وحده.

4.2 المعمار التقليدي والمقاومة الزلزالية

كان للمعمار المغربي التقليدي أسلوبه الخاص في التعامل مع البيئة والظروف المناخية، لكنه لم يكن مجهزًا للتصدي للزلازل القوية. في المدن العتيقة، كانت البيوت تُبنى من الطين والحجر غير المربوط بالإسمنت، مع اعتماد سقوف خشبية ثقيلة، مما يجعلها عرضة للانهيار الكلي عند أول اهتزاز عنيف. وقد تبيّن في العديد من الكوارث، مثل زلزال الحسيمة أو زلزال الحوز، أن هذه البنيات التقليدية، رغم جمالها وارتباطها بالهوية، تشكّل خطرًا حقيقيًا في حال غياب تدعيم هيكلي.

مع ذلك، كانت هناك بعض محاولات التكيّف التقليدي الذكية، مثل استخدام الأخشاب المرنة في الأطلس أو توزيع الأحمال بطرق مدروسة في القصبات. لكن هذه المحاولات، مهما بلغت من ذكاء هندسي، لم تصل إلى مستوى “البناء المقاوم للزلازل” كما هو متعارف عليه حديثًا. والأسوأ، أن البناء العشوائي الحديث في القرى والضواحي، باستخدام الإسمنت الرديء والحديد غير المراقب، صار أكثر خطرًا من البناء التقليدي في بعض الأحيان. هذه المفارقة تطرح سؤالًا جوهريًا: كيف نوفق بين الحفاظ على الطابع التراثي والمعماري للمغرب وبين ضمان سلامة الأرواح في زمن الزلازل؟

🏗️ سياسات الوقاية والاستجابة المعاصرة

5.1 دور المعهد الوطني للجيوفيزياء

في مواجهة تزايد النشاط الزلزالي، أصبح المعهد الوطني للجيوفيزياء في المغرب يشكّل خط الدفاع الأول في رصد وتتبع الهزات الأرضية. يقوم المعهد بتشغيل شبكة من المحطات الزلزالية الموزعة في أنحاء البلاد، تقوم بتسجيل الهزات على مدار الساعة. ومن خلال هذه الشبكة، يُمكن تحديد موقع الزلزال، قوته، وعمقه، ما يساهم في إصدار بيانات فورية تساعد السلطات والصحافة والسكان على معرفة ما يجري.

ورغم تطور تقنيات الرصد، فإن المغرب لا يمتلك بعد نظام إنذار مبكر حقيقي، كما هو معمول به في اليابان أو كاليفورنيا، ما يجعل التدخل بعد وقوع الزلزال وليس قبله. ومع ذلك، يشكّل المعهد مصدرًا علميًا محوريًا، ومرجعًا في فهم النشاط الزلزالي، كما يساهم في إنتاج خرائط خطر زلزالي تُعتمد أحيانًا في التخطيط العمراني، لكنها لم تُفعَّل بما يكفي في السياسات العمومية.

5.2 القوانين المتعلقة بالبناء المقاوم للزلازل

من أبرز التغيرات التي أعقبت زلزال أكادير 1960، صدور أول قوانين مغربية تأخذ في الاعتبار مقاومة الزلازل في البناء. تطورت هذه القوانين عبر السنوات، إلى أن صار دفتر التحملات الخاص بالبناء يشمل معايير تقنية تلزم بأخذ المخاطر الزلزالية في الاعتبار، خصوصًا في المناطق المصنفة “ذات خطر متوسط إلى مرتفع” مثل الحسيمة، الناظور، مراكش، وتارودانت.

لكن المشكلة لا تكمن في النصوص، بل في ضعف المراقبة. فعدد من البنايات، خاصة في القرى والمناطق النائية، تُشيَّد خارج أي إطار تقني، دون احترام المعايير أو وجود مهندس مراقب. حتى في المدن، توجد بنايات عشوائية أو غير مرخصة تُبنى من دون دراسة هندسية مقاومة للهزات. وهذا يطرح إشكالًا بنيويًا يربط بين الفقر، التهميش، وضعف الدولة في فرض معايير السلامة.

5.3 استجابة الدولة للكوارث

شهد المغرب تحسنًا نسبيًا في تدبيره للكوارث الزلزالية خلال العقود الأخيرة. ففي زلزال الحسيمة 2004، ورغم التأخر النسبي في الإنقاذ، تم إطلاق خطط إعادة الإعمار، وتم تعويض المتضررين جزئيًا. أما في زلزال الحوز 2023، فكانت الاستجابة أسرع، حيث تدخلت القوات المسلحة الملكية بطائرات مروحية وفرق إنقاذ مدربة، وتم إنشاء مخيمات مؤقتة، وفتح الطرق في ظروف جبلية صعبة.

غير أن هذه الاستجابة تظل “رد فعل” أكثر من كونها “استراتيجية استباقية”. لا تزال البلاد تفتقر إلى خطط وطنية للوقاية من الزلازل، تشمل تدريب السكان، محاكاة سيناريوهات كوارث، أو إعداد مخزون من المعدات في المناطق المعرضة للهزات. ولعل الدرس الأكبر هو أن المغرب في حاجة إلى رؤية شمولية تجمع بين الرصد العلمي، والتهيئة الترابية، والحماية الاجتماعية، لتقليل الخسائر عندما “تهتز الأرض من تحت الأقدام”.

🧠 الزلازل والوعي المجتمعي

6.1 الزلازل في المدرسة والإعلام

رغم أن المغرب بلد معرض للهزات الأرضية، فإن التوعية الزلزالية تظل غائبة أو شبه غائبة عن المناهج التعليمية، وحتى عن وسائل الإعلام. نادرًا ما نجد في الكتب المدرسية دروسًا تطبيقية حول كيفية التصرف أثناء الزلزال، أو مواد تُعرّف الأطفال والمراهقين بأسباب الظاهرة وطرق الحماية الذاتية. بل إن أغلب المواطنين لا يعرفون حتى معنى عبارة “بؤرة الزلزال” أو كيفية التمييز بين “الهزة الرئيسية” و”الهزات الارتدادية”.

أما الإعلام، فهو غالبًا ما يتفاعل مع الزلازل بعد وقوعها، بأسلوب تغلب عليه العاطفة والمأساوية، دون بناء ثقافة وقائية مستدامة. ولا تُبَث برامج توعوية دورية، ولا يُدرَّب الصحفيون بشكل كافٍ على تغطية الكوارث. هذا الغياب يفتح المجال أمام الشائعات والتأويلات، كما حصل بعد زلزال الحوز، حيث انتشرت أخبار زائفة وتحليلات غير علمية في وسائل التواصل، مما زاد من القلق الجماعي.

6.2 ذاكرة الزلازل في الثقافة المغربية

على الرغم من أن الزلازل خلفت جراحًا عميقة في الذاكرة الجماعية المغربية، إلا أن تمثلاتها في الثقافة الشعبية تظل خجولة. نادرًا ما نجد روايات أو أفلامًا مغربية تتناول الكوارث الطبيعية بشكل واقعي، أو تعالج تداعياتها النفسية والاجتماعية. بعض القصائد الشعبية في الأطلس أو الريف تطرقت إلى الزلازل، لكن على شكل مرثيات شفوية تنقل الحزن والأسى، لا التوثيق أو التحليل.

ومع ذلك، ظهرت بعض المبادرات الرمزية مثل نصب تذكاري لضحايا زلزال أكادير، أو صور مؤثرة في الصحافة توثق لحظات الإنقاذ والتضامن. كما بدأ بعض الفنانين والناشطين في تحويل الكوارث إلى محفز للوعي المجتمعي، عبر حملات تطوعية، معارض، أو مواد توعوية بصرية. إن ترسيخ الزلازل في الذاكرة الثقافية ليس ترفًا، بل ضرورة لفهم العلاقة المعقدة بين الإنسان والطبيعة، وتحويل المأساة إلى طاقة بناء وتفكير نقدي.

🔮 الخاتمة

ليس من قبيل المصادفة أن تعود الزلازل لتذكّر المغاربة، بين الفينة والأخرى، بأنهم يعيشون فوق أرضٍ نابضة، لا تهدأ. فبين زلزال فاس 1522، وأكادير 1960، والحسيمة 2004، والحوز 2023، تتقاطع المأساة مع التاريخ، ويترسخ وعي جديد كل مرة، لكنه لا يلبث أن يخبو في غياب سياسة واضحة للتثقيف والوقاية.

لقد أثبتت التجربة أن الزلازل لا تميز بين قري ومدن، ولا بين غني وفقير، وأن هشاشة البنية التحتية قد تكون مميتة أكثر من الزلزال نفسه. ومع تزايد الكثافة السكانية، والتوسع العمراني، والتغير المناخي، صار من الملح أن تُدمج المخاطر الزلزالية ضمن الاستراتيجيات الوطنية للتنمية، لا أن تُترك فقط للقدر أو التدخلات الظرفية.

إننا أمام فرصة تاريخية لتحويل الكارثة إلى رافعة للوعي الجماعي، ولتجديد علاقة المواطن المغربي بالمعرفة العلمية، بالتخطيط الحضري، وبالحق في السكن الآمن. فلا يُعقل أن نستمر في تكرار نفس الأخطاء، بينما تهتز الأرض في كل مرة لتُعيد طرح نفس السؤال:
هل تعلمنا شيئًا من زلازلنا؟

ملف حول كارثة طبيعية الزلازل في المغرب PDF

أضف تعليق