✍️ إعداد: histoiredumaroc.com – من المغرب، لكل المغاربة
عرف المغرب عبر تاريخه الممتدّ سلسلة من الكوارث الطبيعية والمجاعات التي هزّت البنية المجتمعية والاقتصادية والسياسية. لم تكن هذه النكبات مجرد حوادث عرضية، بل ساهمت في صياغة ملامح الوعي الجماعي المغربي، ورسّخت لدى المغاربة شعورًا مشتركًا بالخطر والصمود. سنرصد في هذا المقال الزلازل والمجاعات الكبرى التي أثّرت في التاريخ المغربي، بناءً على وثائق تاريخية ومصادر علمية موثوقة، مع تحليل الأبعاد الإنسانية والاجتماعية لكل كارثة.
🌪️ الزلازل في المغرب: الأرض تحت الغضب
يُعد المغرب من الدول المعرضة للنشاط الزلزالي بسبب موقعه الجغرافي على هامش الصفائح التكتونية الأوروأفريقية. وقد خلّفت هذه الزلازل في تاريخ المغرب آثارًا عميقة في الذاكرة الجمعية.
*اقرا ايضا: تاريخ الزلازل في المغرب
⚡️ زلزال فاس سنة 1522
في 27 يناير 1522، هز زلزال قوي مدينة فاس، العاصمة الروحية والعلمية للمغرب، مخلّفًا دمارًا شاملاً هو الأشد في تاريخ المدينة حتى يومنا هذا. وقع الزلزال في الساعات الأولى من الصباح، حين كان معظم السكان نائمين، وهو ما زاد من عدد الضحايا.
- قُدّرت الخسائر البشرية بعشرات الآلاف، لا سيما في الأحياء العتيقة مثل القرويين وسيدي بوعنّان.
- انهارت المساجد والمدارس والزوايا، بما فيها أجزاء من جامع القرويين، وأغلب أبواب المدينة وأسوارها.
- سُجّلت هزات ارتدادية استمرت لأيام، مما زاد من حجم الفزع والدمار.
عجزت السلطة آنذاك عن تقديم الإغاثة الفورية، بسبب هشاشة الإدارة المركزية وانشغال الدولة بتهديدات خارجية وصراعات داخلية. فانتشرت المجاعة والأوبئة بعد الكارثة، وتحوّلت المدينة من مركز إشعاع علمي إلى فضاء منكوب.
تتحدث بعض الروايات المخطوطة عن أن عدد القتلى كان كبيرًا لدرجة أن الجثث تُركت في الشوارع والأزقة لأيام، بينما لجأ من نجا إلى الجبال أو خارج الأسوار. واضطر سكان المدينة إلى إعادة بناء مساكنهم بشكل عشوائي مما أثّر على النسيج العمراني.
تُعد هذه الكارثة أول حادثة وثقها فقهاء فاس بعبارات مأساوية غير مألوفة في أدب ذلك العصر، حيث وصفوها بـ”ساعة الزلزلة”، واعتبروها إنذارًا من الله على فساد العباد.
📚 المصدر: الخزانة الملكية، مخطوطات جامعة القرويين، وثائق فقيه فاسي مجهول، وتحقيق المؤرخ محمد المنوني.
⚡️ زلزال لشبونة وتأثيره على المغرب (1755)
وقع الزلزال في الأول من نوفمبر 1755 ودمّر العاصمة البرتغالية، لكن صداه وصل إلى مناطق المغرب الساحلية مثل طنجة وأصيلة والعرائش.
- تسبب في فيضانات ساحلية (تسونامي) هدمت موانئ وأبراج.
- أدى إلى موجة هلع في المدن المغربية الساحلية.
- دفعت المخزن لتعزيز البنى الدفاعية البحرية.
📘 المصدر: جامعة لشبونة، قسم الجيوفيزياء.
⚡️ زلزال أكادير 1960
في مساء يوم 29 فبراير 1960، كانت مدينة أكادير على موعد مع أسوأ كارثة طبيعية في تاريخ المغرب الحديث. الزلزال الذي بلغت قوته 5.7 درجات على سلم ريختر، لم يكن الأقوى من حيث القياس، لكنه كان الأكثر فتكًا بسبب ضحالة مركزه وقربه الشديد من المناطق السكنية.
- أودى الزلزال بحياة نحو 15 ألف شخص، أي ما يعادل ثلث سكان المدينة آنذاك.
- أصيب أكثر من 12 ألف شخص، وتشرد عشرات الآلاف.
- دمّرت البنية التحتية بالكامل، بما فيها المستشفيات، المدارس، والميناء.
شهدت المدينة في تلك الليلة لحظات من الرعب والفوضى، حيث انهارت المباني في ثوانٍ معدودة، واختلطت أصوات الانهيار بالصراخ والبكاء، في مشهد تجاوز قدرة أي جهة على الاستجابة الفورية.
اللافت أن الحي الأوروبي في المدينة، المبني بخرسانة أكثر صلابة، صمد جزئيًا، بينما تهدمت أحياء كاملة مثل تالبرجت وفونتي. بعض الشهادات تتحدث عن سماع تكبيرات جماعية، ودعوات وسط الظلام، وسعي الناس للفرار نحو الجبال.
رد الفعل الملكي كان سريعًا وحاسمًا. زار الملك محمد الخامس المدينة المنكوبة في اليوم الموالي، وصرّح من هناك: “لئن حكمت الأقدار بخراب أكادير، فإن بنائها موكول إلى إرادتنا وإيماننا”.
انطلقت بعدها أكبر عملية إعادة إعمار حضرية في تاريخ المغرب، بقيادة المهندس الفرنسي ميشيل إيكوشار، والذي أعاد تخطيط المدينة في موقع مختلف عن المدينة القديمة، مع اعتماد معايير مقاومة للزلازل.
تحوّلت أكادير خلال عقود لاحقة إلى نموذج للنهضة من تحت الركام، وفضاء يجمع بين الذاكرة المأساوية والتصميم على الحياة.
📎 المصدر: وكالة المغرب العربي للأنباء، بلاغ رسمي للحكومة، كتاب “أكادير: الزلزال والبعث”، مذكرات شهود عيان، أرشيف جماعة أكادير.
⚡️ زلزال الحسيمة 2004
في صباح يوم 24 فبراير 2004، استيقظ سكان إقليم الحسيمة على دوي هائل واهتزاز أرضي مفزع، بلغت شدته 6.3 درجات على سلم ريختر، وتمركز قبالة ساحل بني بوعياش. هذا الزلزال المدمّر شكّل لحظة فارقة في الوعي الجغرافي والسياسي للمنطقة.
- قُتل ما يزيد عن 628 شخصًا، وأصيب أكثر من 900 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.
- دُمرت قرى بأكملها مثل إمزورن وأيت يوسف وعلي.
- استمرت عمليات الإنقاذ لأيام في ظروف مناخية قاسية، وسط نقص في المعدات والإسعافات.
من أبرز مشاهد الكارثة، خروج المدنيين حاملين جثامين ذويهم إلى الساحات، في ظل غياب بنيات استشفائية قادرة على الاستجابة لحجم الفاجعة. كما اضطرت عائلات عديدة للمبيت في العراء خوفًا من الهزات الارتدادية التي استمرت لأيام.
رد فعل الدولة كان موضع جدل واسع. فبينما تم الإعلان عن إرسال مساعدات، اشتكى المواطنون من بطء الاستجابة الرسمية وغياب التنسيق بين الأجهزة.
في المقابل، أبان المجتمع المدني عن نضج لافت، حيث تشكلت مبادرات محلية وشبابية لجمع التبرعات، ونظمت قوافل إغاثة من مناطق بعيدة كفاس وطنجة.
أدى الزلزال إلى بروز خطاب جديد في الريف، يطالب بالعدالة المجالية، واعتراف الدولة بمسؤوليتها في التهميش التاريخي. كما كان الزلزال من العوامل التي مهّدت لظهور حركات احتجاجية في السنوات اللاحقة.
📍 المصدر: تقرير المركز الوطني للبحث العلمي، أرشيف جريدة العلم (مارس 2004)، شهادات ميدانية من الهلال الأحمر المغربي، ومقابلات منشورة مع نشطاء من الحسيمة.
🧫 الأوبئة الكبرى في تاريخ المغرب
لم تقتصر النكبات التي واجهها المغرب على الزلازل والمجاعات، بل امتدت إلى الأوبئة الفتاكة التي تركت بصماتها في التركيبة السكانية والاجتماعية للمجتمع المغربي.
☠️ وباء الطاعون الأسود (1348)
في منتصف القرن الرابع عشر، اجتاح وباء الطاعون الأسود المغرب ضمن موجة عالمية دمرت مجتمعات بأكملها في أوروبا وشمال إفريقيا وآسيا. وقد سجّل المؤرخون أن العام 1348 كان سنة الحزن الأعظم، حيث غرق المغرب في ظلام الموت الجماعي.
- انتشر الطاعون بسرعة رهيبة من الموانئ إلى الداخل، خاصة في فاس، مراكش، سلا، آسفي، وتارودانت.
- قُدرت نسبة الوفيات بنحو 40 إلى 50% من سكان بعض المدن.
- توقفت الحركة التجارية، وأُغلقت الأسواق، وخربت الحقول، وهجرت المساجد.
سجّل المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون هذا الحدث بمرارة شخصية، إذ فقد عائلته بالكامل خلال أيام. قال في مقدمته: “وكأنما نزل بالمغرب قضاء قاطع من الله لا مرد له”. وشبّه الوباء بالريح العقيم التي لا تُبقي على أحد.
في المدن الكبرى، لم تكن هناك قدرة تنظيمية لدفن الموتى، فكان الناس يدفنون أحبّاءهم في أفنية الدور أو يتركون الجثث في الأزقة. وأصبح من المعتاد أن يحمل الناس على الأكتاف أربعة أو خمسة موتى يوميًا إلى المقابر الجماعية.
أدى الطاعون إلى تفكك المجتمعات، وانتشار الفقر والنهب والفساد. أما المدارس العتيقة والزوايا، فشهدت انقراض جيل كامل من العلماء والطلبة، مما أدى إلى انقطاع في سلسلة المعرفة لسنوات.
رأى بعض الفقهاء في الطاعون عقوبة إلهية، ودعوا إلى التوبة الجماعية، بينما انتشرت طقوس الابتهال والذكر بشكل يومي، مع إقامة حلقات دعاء في المساجد والجوامع.
📖 المصدر: ابن خلدون – المقدمة، تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر، القاهرة، 2000؛ مخطوطات القرويين؛ وثائق خزائن الرباط.
💀 طاعون القرن 18 (1799)
في نهاية القرن الثامن عشر، اجتاح وباء الطاعون مجددًا التراب المغربي، في موجة عنيفة بدأت من المناطق الساحلية ثم تسللت إلى قلب المدن الكبرى كفاس ومراكش وسلا. وكان من أبرز سماته سرعة الانتشار وارتفاع معدلات الوفيات مقارنة بسنوات سابقة.
- سُجلت حالات وفاة جماعية يومية، خصوصًا بين كبار السن والأطفال.
- خلت الأسواق والدكاكين من مرتاديها، وتحولت الأحياء إلى مدن أشباح.
- تدهورت الأنشطة الاقتصادية، وارتفعت أسعار الحبوب والأدوية بشكل جنوني.
في بعض الوثائق المخزنية، ذُكر أن مدينة سلا وحدها فقدت ثلث سكانها خلال أشهر قليلة، مما تسبب في فراغ سكاني خطير ونقص حاد في اليد العاملة. أغلقت المدارس، وتوقفت دروس العلماء في الزوايا.
أصدر السلطان مولاي سليمان ظهائر فورية تقضي بإقامة صلوات الاستسقاء والدعاء، وأمر بتخصيص أماكن خارج المدن لدفن الموتى تفاديًا للعدوى. وظهرت فتاوى فقهية تبيح عزل المريض قسريًا ومنع التنقل بين الأقاليم.
ومن الملاحظ أن هذه الموجة من الطاعون دفعت المخزن إلى التفكير الجدي في تنظيم الصحة العامة لأول مرة، بما في ذلك مراقبة مداخل المدن، وإقامة نقاط حجر صحي في الموانئ.
كما أثّرت الكارثة في الإنتاج الثقافي والديني، حيث دوّن عدد من العلماء ما جرى في رسائل ومؤلفات صغيرة، معتبرين الوباء تذكيرًا إلهيًا بضعف الإنسان أمام قضاء الله.
📚 المصدر: سجلات وزارة الأوقاف – أرشيف القرن 18، مخطوطات دار النيابة بفاس، وتحقيق المؤرخ عبد الهادي التازي.
🦠 الكوليرا في أوائل القرن 20 (1911–1913)
بين سنتي 1911 و1913، اجتاح وباء الكوليرا عدداً من المدن المغربية في واحدة من أكثر موجاته فتكًا خلال القرن العشرين. وصل الوباء إلى المغرب في سياق اضطراب سياسي ووجود استعماري متنامٍ، مما جعل مواجهته صعبة ومحدودة النجاعة.
- ظهر المرض أولاً في الموانئ مثل طنجة والصويرة والدار البيضاء، ثم انتقل إلى الداخل عبر الطرق التجارية.
- سُجلت آلاف الوفيات، خاصة في المناطق العمالية والأسواق المكتظة.
- غابت التدابير الصحية الفعالة، ولم تكن هناك أنظمة صرف صحي منظمة.
سارعت سلطات الحماية الفرنسية، التي بدأت تفرض نفوذها على البلاد، إلى فرض الحجر الصحي على المرافئ، وأطلقت حملات تطهير للشوارع والأسواق. كما أُقيمت محطات للحجر الطبي عند مداخل المدن.
تم تلقيح الآلاف من الجنود الفرنسيين، لكن عامة السكان لم يحصلوا على نفس الحماية، مما أثار غضبًا في صفوف المواطنين، وزاد من منسوب الاحتقان تجاه الإدارة الاستعمارية.
أثر الوباء بشكل مباشر في الحياة اليومية، حيث توقفت المناسبات العامة، وأُغلقت المدارس والكتاتيب، فيما انتشرت الدعوات للتوبة، واللجوء إلى الأذكار والأدعية.
وثّق عدد من الأطباء العسكريين الفرنسيين هذه الأحداث في تقارير طبية نشرت لاحقًا في المجلات الصحية الأوروبية، حيث وصفوا المشهد في بعض الأحياء الفقيرة بأنه أشبه بـ”دويلات موبوءة” خارجة عن السيطرة.
امتد تأثير الوباء أيضًا إلى البادية المغربية، حيث نقل التجار والرُّحّل العدوى إلى القرى، ما أدى إلى نفوق قطعان كاملة من الماشية نتيجة تلوّث مصادر الماء.
📍 المصدر: مجلة الحوليات الصحية الفرنسية – أرشيف الاستعمار، تقارير البعثة الطبية الفرنسية 1912، ومراسلات والي طنجة.
🔁 من الماضي إلى الحاضر: نكبات ما بعد الاستقلال
رغم التقدم الطبي والعمراني، لم ينجُ المغرب من النكبات حتى في العصر الحديث.
🌋 زلزال الحوز 2023
وقع الزلزال في 8 شتنبر 2023، وبلغت قوته 6.8 درجات على سلم ريختر، ما جعله من أقوى الزلازل في تاريخ المغرب الحديث.
- أدى إلى انهيار قرى كاملة في الأطلس الكبير.
- أسفر عن وفاة أكثر من 2900 شخص وإصابة الآلاف.
- أظهرت صور الأقمار الصناعية تغيرات جيولوجية بارزة.
أشادت وسائل إعلام دولية بسرعة استجابة المغاربة، أفرادًا ومؤسسات، في عمليات الإنقاذ والإغاثة.
📎 المصدر: تقارير المعهد الوطني للجيوفيزياء + وكالة المغرب العربي للأنباء.
🚨 كوفيد-19 وتأثيره الاجتماعي
مثل بقية العالم، عانى المغرب من تداعيات جائحة كورونا بين 2020 و2022:
- فرض الحجر الصحي الكامل لأول مرة.
- حملة تلقيح وطنية ناجحة.
- صدمة اقتصادية في القطاعات غير المهيكلة.
- انتشار خطاب التضامن والمبادرات الشعبية.
📚 المصدر: تقارير وزارة الصحة المغربية + منصة “كوفيد ماروك”.
🌊 الفيضانات في المغرب: الكارثة الصامتة
رغم أن الزلازل والمجاعات تحظى بتوثيق واسع، فإن الفيضانات تبقى من النكبات المتكررة التي تهدد حياة المغاربة.
💧 فيضانات الدار البيضاء 2010
في بداية يناير 2010، هطلت أمطار غزيرة على مدينة الدار البيضاء أدت إلى فيضانات شلّت حركة النقل وأغرقت الأحياء الهشة.
- غمرت المياه منازل آلاف الأسر في حي الألفة وسيدي مومن.
- تم تسجيل عدة وفيات بسبب صعق كهربائي.
- كشفت عن هشاشة البنية التحتية في العاصمة الاقتصادية.
📍 المصدر: تقارير جماعة الدار البيضاء + الصحافة الوطنية.
⛈️ فيضانات المحمدية والرباط 2002 و2016
- ارتفاع منسوب نهر أبي رقراق تسبب في إجلاء مئات العائلات.
- تعطّلت خدمات القطار والطريق السيار.
- دعوات متكررة لتعزيز منظومات الصرف والتطهير.
🧩 كيف استفاد المغرب من دروس النكبات؟
- تم إنشاء المركز الوطني للوقاية من الكوارث الطبيعية.
- اعتماد مدونة البناء المضاد للزلازل.
- إطلاق حملات تلقيح جماعية منذ كوفيد-19.
- إدماج دروس حول الكوارث في برامج التعليم.
الدرس الأهم أن المغرب لا يمكن أن يُبنى دون استحضار دروس الألم.
🧠 النكبات والهوية المغربية: قراءة في العمق
مع توالي النكبات، تشكّلت لدى المغاربة قدرة فريدة على التكيّف، كما تولّدت لديهم حساسية خاصة تجاه مفهوم “الابتلاء الجماعي”.
- تطور الحس المجتمعي من خلال المساعدات الذاتية.
- ازدياد إيمان المغاربة بأهمية التخطيط والوقاية.
- تحوّل النكبات إلى روايات شفوية تروى للأجيال.
النكبة لم تكن نهاية، بل محفزًا للنهوض.