المهدي المنجرة… العالِم الذي سبق زمنه وتنبأ بتفكك النظام العالمي

📍 إعداد: histoiredumaroc.com – من المغرب، لكل المغاربة

🧭 حين وُلد العقل النقدي… بدايات متوهجة

في أحد أحياء الرباط القديمة، وفي بيت مغربي أصيل اختلط فيه الوطن بالتربية، واللغة بالكرامة، وُلد سنة 1933 طفل سيُصبح لاحقًا من أبرز المفكرين العرب في القرن العشرين: المهدي المنجرة. لم تكن طفولته عادية، فكان محاطًا منذ سنواته الأولى بمشاهد الاستعمار، ورائحة المقاومة، ونقاشات الكبار عن الحرية والهوية والانعتاق.

كان والده من رجال الحركة الوطنية، وأحد الذين ساهموا في تعبئة المغاربة ضد الاستعمار الفرنسي، سواء من خلال الصحافة أو التعليم أو العلاقات الثقافية. تربى المهدي في جوّ مشبع بوعي سياسي مبكر، حيث لم تكن الوطنية عنده مجرد شعار، بل سلوكًا يوميًا: في نوع الكتب التي تُقرأ، في اللغة التي تُستخدم، في الموقف من القناصل، وفي الدعاء للسلطان في خطب الجمعة.

في تلك السنوات، كان المغرب يعيش أواخر عهد الحماية الفرنسية، وكانت المدارس تُفرّق بين “الفرنسي الكامل” و”الأهلي الخاضع”، وكان على أبناء المغاربة إما أن يخضعوا لمنظومة الاستعمار التعليمية، أو يبحثوا عن منافذ بديلة. ومنذ المراحل الدراسية الأولى، رفض المهدي المنجرة هذا التقسيم. أراد أن يتعلم لينتقد، لا ليتأقلم مع الاستعمار.


✈️ الرحيل إلى أمريكا… لقاء مبكر مع الحرية

حين بلغ السادسة عشرة، اتخذ قرارًا سيغير مسار حياته: الذهاب إلى الولايات المتحدة للدراسة، في وقت كان معظم المغاربة يفضلون فرنسا، إما طوعًا أو بحكم التبعية اللغوية والإدارية. لكنه أراد شيئًا مختلفًا. أمريكا، آنذاك، كانت تمثل أرض الفرص والانفتاح العلمي، لكنها أيضًا فضاءً مليئًا بالتناقضات: الديمقراطية في الداخل، والتدخلات في الخارج.

التحق بجامعة كورنيل العريقة، ثم تابع دراسته في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، ليعود بعدها إلى بريطانيا، حيث نال درجة الدكتوراه من مدرسة لندن للاقتصاد، وكان من أوائل المغاربة الحاصلين على هذه المرتبة العلمية من مؤسسات غربية مرموقة.

لكنه لم ينبهر بالغرب، بل قرأه بعين ناقدة، وبدأ منذ شبابه المبكر في تحليل الفجوة بين الشعارات الديمقراطية التي ترفعها الدول الغربية، وبين سياساتها التوسعية في آسيا وإفريقيا. لقد تشكّل عقله في بيئة حرّة ظاهريًا، لكنها محكومة بمنظومات هيمنة خفية، وهنا بدأ يتكون مشروعه الفكري الكبير: تفكيك الاستعمار الناعم، وفضح آليات التبعية الفكرية.


🧠 ثلاث هويات متفاعلة: المغربي، المسلم، الكوني

منذ سنوات تكوينه الأولى، رفض المهدي المنجرة الثنائيات المغلقة. لم يكن مع الانغلاق القومي، ولا مع الذوبان في النموذج الغربي. بل آمن بأن الإنسان المغربي قادر على أن يكون:

  • مغربيًا متشبعًا بهويته اللغوية والدينية والتاريخية
  • مسلمًا منفتحًا على قِيَم التعدد والتسامح والنقاش
  • وإنسانًا عالميًا، يُساهم في حضارة البشر، لا تابعًا ولا مقلدًا

وهذا ما جعله يُصنف منذ بدايته كصوت فكري غير مريح، لأنه لا ينتمي لا للقطيعة مع الغرب، ولا للتبعية له. كان بين الاثنين، ناقدًا لهذا، وغربالًا لذاك. لم يكن يُهاجم الآخر لمجرد أنه “غربي”، بل انتقد غياب التوازن في العلاقة معه، وكيف أن بلدان الجنوب تُنتج النخب التي تخدم الغرب أكثر مما تخدم شعوبها.


🗺️ أول أبحاثه… في صلب العالم لا على هامشه

حتى قبل أن يُعرف ككاتب ومفكر، كان المهدي المنجرة باحثًا ميدانيًا. عمل مبكرًا في الأمم المتحدة، ثم في منظمات مثل اليونسكو والفاو، وكان من أوائل الخبراء الذين اشتغلوا على المستقبل والتخطيط الاستراتيجي طويل الأمد. وكان يُعتبر من “العقول العربية القليلة التي شاركت في النقاش العالمي حول التنمية”.

لكنه ما لبث أن اكتشف أن كثيرًا من هذه المؤسسات الأممية، رغم خطابها الإنساني، تُدار فعليًا من طرف مصالح القوى العظمى، وتُستخدم لتكريس أنماط معينة من التفكير والسيطرة الناعمة. ومن هنا بدأ يُطوّر مفهومه الأشهر لاحقًا: “الاستعمار الثقافي والمعرفي”.


🧭 مسار لا يشبه أحدًا

خلافًا لكثير من النخب المغاربية التي صعدت اجتماعيًا عبر المناصب، والمجالس الرسمية، والوظائف الأممية، اختار المهدي المنجرة أن يظل خارج دوائر السلطة. لم يُغره الكرسي، ولا الألقاب، ولا التوظيف السياسي لأفكاره. رفض منصب وزير التعليم في المغرب، ورفض الانخراط في حكومة تكنوقراط، وقال ذات مرة:

“لست موظفًا في الدولة… أنا موظف عند الحقيقة، عند الضمير، عند أمتي.”

كانت بداياته متوهجة، لا لأنه تلقّى تعليمًا غربيًا فقط، بل لأنه نجح في تحويل هذا التعليم إلى سلاح للنقد لا وسيلة للتفاخر. لقد عاد من الغرب لا ليُروّج له، بل ليُفككه، ويضعه في ميزان النقد الحضاري.


📌 البداية كانت استثنائية… فكيف ستكون المسيرة؟

هكذا وُلد العقل النقدي في المهدي المنجرة: من بيت وطني، في زمن الحماية، عبر تجربة غربة تعليمية، وموقع مبكر في المنظمات الدولية. لكنه لم ينخدع بالأضواء، بل بدأ معركته الأهم: كيف يُسترد العقل العربي من التغريب؟ وكيف يُصنع مستقبل الشعوب بالمعرفة لا بالإملاءات؟

وهذه مجرد بداية… أما ما سيأتي لاحقًا من نبوءات، وصراعات فكرية، وانتصارات معرفية، فكان سيجعل من المهدي المنجرة أيقونة غير قابلة للاحتواء، ولا للنسيان.

📽️ المهدي المنجرة في الإعلام: بين الغياب المقصود والتأثير غير المرئي

رغم أن المهدي المنجرة كان من ألمع المفكرين العرب وأكثرهم حضورًا في النقاشات الدولية حول التنمية والصراع الحضاري والهيمنة الثقافية، إلا أن حضوره في الإعلام المغربي، سواء الرسمي أو الخاص، كان باهتًا إلى حد التغييب المتعمّد. مفكر بهذه القيمة، وبهذا الحضور العلمي في الخارج، كان يُفترض أن يُستضاف أسبوعيًا، أن تُفتح له أعمدة الصحف، وأن تتحوّل أفكاره إلى وثائق مرجعية في السياسات العمومية. لكن الواقع كان عكس ذلك.


🛑 إعلام رسمي… يتجاهل من يزعجه

منذ نهاية الثمانينيات، وخصوصًا بعد صدور كتابه “الحرب الحضارية الأولى”، بدأ المنجرة يتعرض لحصار إعلامي ممنهج في بلاده. لم تعد القنوات الوطنية تدعوه، ولم تُخصص له الجرائد الكبرى أي ملف فكري جاد، وتم إقصاؤه من البرامج الثقافية الكبرى، رغم أنه كان يُستدعى إلى BBC، والجزيرة، والفرنسية الثالثة، والتلفزيون الياباني، لإبداء رأيه في قضايا الساعة.

ورغم أنه لم يكن حزبيًا، ولا داعية ثوريًا، إلا أن أفكاره كانت مزعجة للنظام، لأنها تهاجم الجذر: التعليم، الإعلام، الثقافة، التبعية اللغوية، والمركزية الإدارية. لم يكن يهتف ضد الملكية ولا يُشتم المخزن، بل كان يُفكّك منظومة الهيمنة بهدوء المُفكر، لا صراخ الناشط.


🧠 حين يملأ الصمت الشاشات

في الوقت الذي مُنعت فيه محاضراته داخل جامعات مغربية، وفي الوقت الذي حجبت بعض مؤلفاته من المكتبات الرسمية، كان المهدي المنجرة يملأ الساحة الفكرية بشكل غير مباشر. فقد تحوّل إلى “مفكر شفهي” عند الشباب، تُتداول تسجيلاته، وتُنقل كلماته من فم إلى فم، وتُستعاد مقولاته في حلقات النقاش، والأسطر الأولى في دفاتر التلاميذ.

كان الجيل الجديد يشعر أن هذا الرجل لا يشبه بقيّة “الخبراء” الذين يُطِلّون من الشاشات. لم يكن مرِنا ولا متردّدًا، بل واضحًا، قاطعًا، يحمل رؤية شاملة، وينتقد من داخل المنظومة لا من خارجها.


🎙️ الإعلام البديل… من التعتيم إلى الأسطرة

مع صعود الإنترنت، ثم يوتيوب، أصبح المهدي المنجرة ظاهرة فكرية خارج سيطرة الإعلام الرسمي. آلاف الفيديوهات التي تحمل مقاطع من محاضراته تُتداول اليوم على منصات التواصل، بل وتُترجم إلى لغات أجنبية، وتُعاد مونتاجها لتصل إلى أجيال لم تسمعه حين كان على قيد الحياة.

في الوقت الذي غيّبته فيه القنوات الرسمية، تحوّل إلى “صوت مقاومة معرفية” على المنصات البديلة. وبعد وفاته، تحوّل إلى “أسطورة فكرية” بالنسبة لكثير من الشباب، لا لأنه كان معصومًا من الخطأ، بل لأنه كان نزيهًا، مستقلًا، لا يخاف في الفكر لومة لائم.


📡 مفكر لا يمكن تسويقه

ربما لم يُستضف المهدي المنجرة كثيرًا في القنوات الرسمية، لأنه ببساطة كان غير قابل للتسويق. لم يكن قابلًا لأن يُؤطر خطابه، أو يُخفّف من لغته، أو يساير الرؤية الإعلامية المتحكّم فيها. كان يرى أن التلفزيون المغربي يعيد إنتاج التبعية، وأن الإعلام ليس وسيلة ترفيه، بل أداة تحكم في اللاوعي.

كان يقول:

“ما الفائدة من قناة إذا كانت تعيد ما يقوله المستعمر بلغة الاستقلال؟ الإعلام اليوم يصنع الرأي، ومن لا يمتلك إعلامه، لا يمتلك قراره.”


🎬 بين التعتيم والتخليد: من المسؤول؟

لم تُنتَج إلى اليوم في المغرب أية سلسلة وثائقية مهنية متكاملة عن المهدي المنجرة، لا عن مسيرته، ولا عن فكره، ولا عن كتاباته. ولم تُدرّج كتبه في المقررات الدراسية، ولا خُصّص له برنامج إذاعي ولا جائزة باسمه. وهو ما يطرح السؤال المؤلم:

هل نحن مجتمع ينسى علماءه؟ أم نظام يطمس من لا يروضهم؟

الإعلام الذي تجاهله في حياته، صار بعد رحيله يستحضره كمجرد رمز، دون التجرؤ على فتح كتبه، أو مناقشة أفكاره، أو الاعتراف بأن الصوت الذي تجاهلوه كان الأكثر صدقًا في تشخيص الداء.

📖 10 اقتباسات خالدة من المهدي المنجرة… كلمات حفرت في الذاكرة

ما ميّز المهدي المنجرة، إلى جانب تحليله العميق ونظرته الاستباقية، هو أسلوبه المباشر، الصادق، المشبع بالإحساس الأخلاقي، والرافض للمساومة. لم يكن يكتب فقط ليسجل موقفًا، بل كان يكتب ليوقظ الوعي، ويزرع الشك البناء في اليقين الزائف.

فيما يلي 10 من أقوى أقواله، التي تجاوزت زمنها، وأصبحت مرجعًا لمن يبحث عن الفكر الحر والموقف الشريف:


1. 🧠 “الجهل في بلادي ليس أمّ المشاكل… بل الجهل المركّب: أن تكون جاهلًا ولا تعرف أنك جاهل، بل وتعتقد أنك تفهم كل شيء.”

🔹 تعليق: بهذه العبارة، يضع المنجرة يده على داء الغرور المؤسساتي والفردي الذي يُغلف الجهل بقناع العلم، ويجعل الحوار مستحيلًا.


2. 🗣️ “في بلداننا، من يقول الحقيقة يُعتبر مجنونًا أو خائنًا أو غير وطني.”

🔹 تعليق: تأملٌ مرير في الثمن الباهظ الذي يدفعه من يختار قول الحقيقة في أنظمة لا تحتمل النقد، بل تفضل التواطؤ.


3. 🛑 “أخطر استعمار هو الذي يدخل عقلك، لا أرضك.”

🔹 تعليق: جوهر مشروع المنجرة، حيث يوضح أن التحرر لا يبدأ بإخراج المستعمر، بل بإعادة امتلاك أدوات التفكير.


4. 📺 “الإعلام في دولنا لا يُخبرك بالحقيقة، بل يُدرّبك على قبول الكذب.”

🔹 تعليق: نقد عميق لدور الإعلام العربي الرسمي، الذي لا يواكب الشعوب، بل يروضها على الإذعان والبلادة.


5. 📚 “أنا لا أنتمي لا لليمين ولا لليسار… أنتمي للمستقبل.”

🔹 تعليق: إعلان استقلال فكري، يُبرز أن المنجرة كان صوتًا يتجاوز الاصطفافات الأيديولوجية نحو مشروع حضاري شامل.


6. 🌍 “اللغة ليست وسيلة تواصل فقط، بل حاملة للكرامة، للسيادة، وللحرية.”

🔹 تعليق: دفاعه المستميت عن اللغة العربية كلغة علم ومقاومة، ورفضه للفرنسة القسرية للمجال العام المغربي.


7. 🎓 “التعليم في بلداننا يُخرج موظفين، لا مفكرين.”

🔹 تعليق: نقد جذري لمنظومة التعليم، التي يرى أنها تصنع التبعية، وتُميت روح الابتكار.


8. 🔍 “حين تستورد نموذجًا أجنبيًا للحكم أو التعليم، فإنك لا تستورد التقنية، بل تستورد التبعية.”

🔹 تعليق: دعوة صريحة لإنتاج الذات من الداخل، لا استيراد قوالب ثقافية لا تُلائم السياق المحلي.


9. ✊ “أرفض أن أكون شاهد زور على واقع يُزيف كل شيء.”

🔹 تعليق: أحد أبلغ تعبيراته عن الرفض الأخلاقي للمساومة على الموقف الفكري، حتى لو كلّفه ذلك العزل والتهميش.


10. ⚖️ “حين تُصبح الحرية تهمة، فاعلم أن البلد مريض.”

🔹 تعليق: تلخيص حاد لوضع العالم العربي، حيث الحرية ليست حقًا، بل اتهامًا يُلاحق صاحبه.


🧭 كلمات تقود… لا تزيّن

لم تكن هذه الاقتباسات مجرد عبارات رنانة، بل مفاتيح لفهم فكر المهدي المنجرة ومنهجه. كلمات خرجت من عقل مُتفكّر، ووجدان متألم، وضمير لا يساوم.

إنها ليست “أقوالًا مأثورة” عادية، بل وثائق أخلاقية ضد النسيان.

🧠 مشروعه الفكري: السيادة الثقافية، الحرب الناعمة، واستشراف المستقبل

في قلب كتابات المهدي المنجرة، لا تجد تنظيرًا مجردًا أو فلسفة تجريدية منعزلة، بل تجد مشروعًا فكريًا متماسكًا، ينبع من الواقع المغربي والعربي، ويتّسع ليشمل مستقبل الإنسانية كلها. كان الرجل يفكر كرؤية استراتيجية، لا كتحليل ظرفي، لذلك فإن فكره لا يشيخ، بل يزداد راهنية كلما تعمقت أزمات العالم.


🎯 أولًا: السيادة الثقافية… الأصل قبل الفرع

يرى المهدي المنجرة أن الاستقلال السياسي دون سيادة ثقافية هو وهم خطير. لأن من يُفكر بلغة الآخر، ويحتكم لمفاهيم الآخر، ويقيس نجاحه بأدوات الآخر، سيظل تابعًا حتى لو رفرف علمه الوطني فوق القصر الحكومي.

السيادة عند المنجرة تبدأ من:

  • اللغة: اللغة الوطنية ليست فقط أداة تواصل، بل أداة سيادة وكرامة. لذلك كان من أشد المنتقدين للفرنسة في المغرب، واعتبرها استعمارًا معرفيًا متجددًا.
  • المدرسة: لا يمكن لبلد أن يحرر ذاته وهو يُدرس أبناءه تاريخ المستعمر أكثر من تاريخه، ويُلقّنهم مفاهيم رأسمالية غريبة على مجتمعه.
  • القيم: ما لم يكن للمجتمع نظام قيمي مستقل، فإن أي تنمية اقتصادية أو تكنولوجية ستُستخدم ضده، لا لصالحه.

قال بوضوح:

“الاحتلال الحديث لا يحتاج إلى جيوش، يكفي أن يُقنعك أن هويتك قاصرة، وأن خلاصك في التشبه به.”


🧨 ثانيًا: الحرب الناعمة… حين يصبح الإعلام سلاحًا

من أبرز إسهامات المنجرة الفكرية، تفكيكه لمفهوم “الميغا-إمبريالية”، أي السيطرة العالمية عبر أدوات ناعمة: الإعلام، الفن، التعليم، القيم، التكنولوجيا، لا عبر الغزو العسكري فقط.

يرى المنجرة أن الدول الغربية، خصوصًا بعد الحرب الباردة، تحولت من الهيمنة الصلبة إلى الهيمنة الرمزية، فصارت تتحكم في شعوب الجنوب عبر:

  • فرض نماذج الحياة “الحديثة” كنموذج وحيد ممكن.
  • شيطنة كل خصوصية ثقافية غير غربية.
  • ربط التقدم بالقطيعة مع الهوية.
  • ترويج فكرة أن “حقوق الإنسان” لا تتحقق إلا إذا أصبحت مثل أوروبا أو أمريكا.

كان يكرر دائمًا أن “الاستعمار الثقافي هو الأخطر، لأنه لا يُشعر المستعمر بأنه مستعمر، بل يُقنعه بأنه متخلف”.


🔭 ثالثًا: استشراف المستقبل… بعيون من الجنوب

في زمن لم يكن العالم العربي يملك فيه أي مراكز دراسات استراتيجية، كان المهدي المنجرة من رواد الاستشراف العلمي للمستقبل. اشتغل في مراكز القرار العالمية، وكان عضوًا في نادي روما، ومخططًا لسيناريوهات طويلة الأمد لمستقبل العالم.

لكن ما ميزه، أنه كان يطرح بدائل من داخل الجنوب، لا نسخًا عن الشمال. دعا إلى:

  • نموذج تنمية ذاتي ينبع من الحاجات المحلية لا من وصفات البنك الدولي.
  • اقتصاد مبني على المعرفة وليس فقط الموارد.
  • مجتمع مدني حر، لا تابع، قادر على المحاسبة والتفكير الجماعي.
  • مقاربة أمنية شاملة ترى أن الأمن ليس فقط جيوشًا، بل كرامة، صحة، تعليم، عدالة.

وفي كتبه مثل “قيمة القيم” و*”انتفاضات في زمن الذلقراطية”*، تنبأ بنهاية “النموذج الغربي” كما نعرفه، واعتبر أن القرن 21 سيكون قرن تحولات فكرية وثقافية، لا فقط تكنولوجية.


🧬 المشروع لا يزال حيًا… من ينقله؟

مشروع المهدي المنجرة لم يكن متوقفًا على شخصه، بل كان يؤمن بأن الجيل القادم هو الحامل الحقيقي لهذا الوعي. كان يكرر أن الشباب هم الطاقة، لكن بشرط واحد:

أن يتعلموا أن يسألوا، لا أن يكرروا، وأن يُنتجوا، لا أن يستهلكوا.

وإلى اليوم، لا يزال مشروعه يصلح كـ:

  • خارطة طريق للخروج من التبعية الثقافية.
  • مرجع في بناء السياسات التعليمية والإعلامية الجديدة.
  • منصة لتكوين جيل مغربي وعربي يثق في ذاته، ويُفكّر بأدواته.

أضف تعليق