🕯️ الزلازل في الذاكرة الجماعية المغربية: الخوف، الإيمان، وإعادة البناء

مقال صحفي يحكي بصيغة سردية إنسانية قصص واقعية من زلزال أكادير، الحسيمة، والحوز، بشهادات حية أو منقولة من الأرشيف.

📌 1. الزلازل الكبرى في تاريخ المغرب: من فاس 1522 إلى الحوز 2023

على امتداد القرون، شهد المغرب زلازل عنيفة خلّفت آلاف القتلى ودمارًا واسعًا غيّر معالم مدن بأكملها. في عام 1522، ضُربت مدينة فاس بواحد من أقوى الزلازل في تاريخ المغرب، حتى أن بعض المؤرخين وصفوا المدينة بـ”المنهارة”، مع تسجيل دمار شبه كامل للمدارس، الأسواق، والأسوار. ثم تكرر المشهد عام 1755 حين هز زلزال لشبونة الشهير غرب أوروبا، وامتدت توابعه إلى سواحل المغرب، خاصة طنجة وأصيلة.

لكن الكارثة الأكثر رسوخًا في الذاكرة الحديثة كانت زلزال أكادير 1960، الذي أودى بحياة 15 ألف شخص في دقائق قليلة فقط، ودمّر المدينة بالكامل. تبعته كارثة الحسيمة 2004، التي قتلت حوالي 628 شخصًا، ثم أخيرًا زلزال الحوز 2023، الذي كشف من جديد هشاشة البنية في المناطق الجبلية. كل زلزال كان لحظة مفصلية، لا على مستوى الخسائر فقط، بل كشرخ في ثقة الإنسان بالأرض التي يسكنها.


🧭 2. المغرب فوق خط الزلازل: الجغرافيا المخبأة تحت الأرض

رغم أن المغرب لا يُصنف ضمن أخطر المناطق الزلزالية عالميًا، إلا أن موقعه الجيولوجي بين الصفيحة الإفريقية والأوراسية يجعله عرضة لهزات مفاجئة. تقع مناطق الزلزال النشطة أساسًا في شمال المغرب (الحسيمة، الناظور، طنجة)، والمنطقة الأطلسية (الحوز، ورزازات، مراكش).

وتُظهر الخريطة الزلزالية أن صدع “الريـف النشط” هو مركز قلق دائم، نظرًا لنشاطه المستمر، بينما تمثل منطقة الأطلس الكبير بنية زلزالية صامتة لكنها شديدة الخطورة، كما أظهر زلزال الحوز. الغريب أن الهزات لا تأتي دومًا من الصدوع المعروفة، مما يُصعّب التنبؤ بها ويزيد من الحاجة إلى يقظة دائمة.


🕯️ 3. الزلازل في الذاكرة الجماعية المغربية: الخوف، الإيمان، وإعادة البناء

ليست الزلازل في المغرب مجرد أرقام وإحصاءات، بل جزء من وجدان شعبي متراكم. يتناقل الناس حكايات عن كل زلزال، من علامات غريبة سبقت الهزة، إلى دعوات النجاة، وإلى اللحظات التي تغير فيها كل شيء. في أكادير، ظل السكان لسنوات يخشون غروب الشمس – التوقيت الذي ضرب فيه الزلزال. وفي الحوز، تكررت مشاهد الذعر الجماعي، والبكاء الجماعي، والصلاة الجماعية.

لكن ما يميّز التجربة المغربية هو التعاضد الشعبي. لا تمر ساعات على أي زلزال حتى ترى قوافل التضامن تتحرك من المدن إلى القرى، وتجد البيوت تُفتح للغرباء. هكذا، تحوّلت الكارثة إلى لحظة وطنية، ومسرحًا تتلاقى فيه الهشاشة بالقوة، والفقدان بالأمل.


🏗️ 4. كيف غيّرت الزلازل وجه المعمار المغربي؟

بعد زلزال أكادير، أدرك المغرب أن “البناء” لم يعد شأنًا جماليًا أو تراثيًا فحسب، بل ضرورة حياة أو موت. كانت أكادير القديمة تعتمد على البناء التقليدي، فجاء الزلزال ليكشف هشاشته، وتُعاد المدينة بالكامل على أسس حديثة، مع أول تطبيق فعلي لـ”البناء المقاوم للزلازل” في المغرب.

ومع مرور الوقت، تم اعتماد كود زلزالي وطني سنة 2002، ثم تحديثه لاحقًا، مع فرضه على المدن الكبرى كطنجة والدار البيضاء. ومع ذلك، بقيت القرى الجبلية خارج الحماية، وهو ما كشفه زلزال الحوز. اليوم، تبرز معضلة: هل يمكن إدماج مقاومة الزلازل في المعمار التقليدي دون المساس بروحه؟ سؤال لم يُجب عنه بالكامل بعد.


🛡️ 5. من الكارثة إلى اليقظة: تطور سياسات الدولة في مواجهة الزلازل

في العقود الماضية، كان تعامل الدولة مع الكوارث طبيعيًا متأثرًا بالفوضى، خاصة في زلزال الحسيمة، حيث اتُّهِم المسؤولون بالتأخر في الإغاثة. لكن منذ 2010، ومع تأسيس مؤسسات مثل صندوق مكافحة الكوارث الطبيعية، بدأت تظهر معالم استراتيجية أكثر نضجًا.

زلزال الحوز 2023 شكّل اختبارًا حقيقيًا لهذه السياسة، حيث تم نشر الجيش بسرعة، وتفعيل مراكز الإيواء المؤقت، وإطلاق برامج لإعادة الإعمار. مع ذلك، برزت تحديات كبرى: غياب قاعدة بيانات للمنازل المهددة، ضعف الربط بين الجبل والمدينة، وصعوبة إيصال المساعدات في تضاريس وعرة. الدولة باتت أكثر يقظة، لكن الهشاشة ما زالت قائمة.


📖 6. الزلازل في الأدب المغربي الشعبي والتاريخي

يبدو أن الزلازل تركت أثرًا حتى في أدبنا الشعبي. في الحكايات الشفوية، توصف الزلازل بأنها “غضب من الأرض”، أو علامة على نهاية الزمن. أما في الوثائق التاريخية، فنجد إشارات متعددة في كتب المؤرخين مثل ابن خلدون والناصري إلى هزات كبرى أثّرت على حياة الناس واقتصاد المدن.

حتى في الشعر، نجد قصائد رثاء كُتبت بعد زلزال فاس، وأخرى عن أكادير. وظهر الزلزال أيضًا في الرواية المغربية الحديثة كرمز للانهيار الداخلي، أو كمجاز عن تصدّع الوطن. من الأرض إلى اللغة، لم يكن الزلزال حدثًا عابرًا.


🧒 7. أطفال تحت الأنقاض: آثار الزلازل على الطفولة والتربية

في كل زلزال، يدفع الأطفال الثمن مرتين: مرة حين يفقدون أهلهم أو منازلهم، ومرة حين يُجبرون على مواجهة مستقبل غير مستقر. كثير من الناجين من زلزال الحسيمة كانوا أطفالًا، وقد كبروا وهم يحملون ندبة نفسية صامتة. بعضهم طوّر خوفًا مرضيًا من الظلام، آخرون فقدوا الثقة في المدرسة أو المدينة.

اليوم، تبذل الجمعيات جهودًا لمرافقة الأطفال بعد الكوارث، عبر ورش التفريغ النفسي والرسم، وإدماجهم في الحياة الاجتماعية مجددًا. غير أن غياب برامج رسمية دائمة يجعل هذه المجهودات موسمية ومحدودة.


🏥 8. الصحة العامة بعد الزلازل: تحديات الإغاثة والوباء

لا تقف الكارثة عند انهيار المنازل. بعد الزلزال تبدأ معركة الصحة العامة: جثث تحت الأنقاض، مياه ملوثة، انتشار سريع للعدوى، ومرضى مزمنون بلا دواء. في زلزال أكادير، ظهر أول انتشار للكوليرا في المخيمات، وهو ما تكرر بشكل محدود في زلزال الحوز، حيث واجهت المستشفيات الميدانية نقصًا حادًا في المعدات.

وتبقى المناطق القروية الأضعف مناعة، حيث تُعتمد وسائل بدائية في الإغاثة. ولا يزال التحدي الأكبر هو نقل الجرحى بسرعة، وتوفير دعم نفسي إلى جانب العلاج الجسدي، خصوصًا في حالات بتر الأطراف أو فقدان الأحبة.


🕌 9. الزلازل والمساجد: بين الدمار والترميم الروحي

في الكثير من القرى، كانت المساجد تنهار أولًا. ليس فقط لأنها من أقدم الأبنية، ولكن لأنها غالبًا ما تُبنى بمواد غير مقاومة. في الحوز، وثّق الناجون انهيار عشرات المساجد، بعضها كان ملجأ وقت الهزة.

لكن الجانب المثير هو أن الناس لا يتخلون عن هذه المساجد. فور انتهاء الهزة، يعودون للصلاة بين الركام، ثم يتكفل السكان بترميمها ولو ببناء بسيط، كرمز لبقاء الإيمان حتى في قلب الكارثة. وكأن الدين يعيد بناء المكان، قبل أن يعيد الناس بناءه ماديًا.


🔍 10. هل يمكن التنبؤ بالزلازل في المغرب؟ العلم والواقع

يتردد السؤال دائمًا: هل كان بالإمكان التنبؤ؟ والإجابة المختصرة هي: ليس بعد. حتى الآن، لا توجد تقنية علمية موثوقة يمكنها تحديد وقت الزلزال بدقة. ومع ذلك، المغرب بدأ يطوّر شبكة للرصد الزلزالي، يشرف عليها المعهد الوطني للجيوفيزياء، الذي يرسل تقارير لحظية فور كل هزة.

لكن الإنذار المبكر ما زال حلمًا بعيدًا، خاصة في القرى التي تفتقر لأبسط أجهزة الاتصالات. ولذلك، تُركّز الجهود على الوقاية بدل التنبؤ: بناء آمن، ووعي مجتمعي، وتدريب على الإسعافات الأولية.


🛖 11. القرى الجبلية والزلازل: الهشاشة في قلب الأطلس

تكشف الزلازل أن الهشاشة الاجتماعية والجغرافية تتقاطع في القرى الجبلية. من الحوز إلى تنغير، تعيش آلاف الأسر في بيوت طينية لا تقاوم الهزات، في مناطق يصعب الوصول إليها حتى في الظروف العادية. ومع كل زلزال، تنقطع الطرق، وتُعزل القرى، وتبدأ معاناة مزدوجة: من الكارثة ومن العزلة.

المشكلة ليست فقط في البنية، بل في الإقصاء المزمن لهذه المناطق من برامج التنمية. ولهذا، فإن أي إصلاح زلزالي حقيقي لا يمر فقط عبر الإسمنت، بل عبر العدالة المجالية.


💬 12. شهادات ناجين من زلازل المغرب: صوت من تحت الأنقاض

في كل كارثة، هناك أصوات يجب أن تُروى. كـ”عائشة” من أكادير التي روت كيف سقطت السقف فوق عائلتها، وظلت تنادي ثلاثة أيام دون أن يسمعها أحد. أو “الحسين” من الحوز، الذي أنقذ شقيقته بحفر الأنقاض بيديه. أو الطفل “إدريس” من الحسيمة، الذي صار يرتعد عند أي صوت قوي.

هذه الشهادات ليست فقط قصصًا مؤثرة، بل وثائق إنسانية يجب أرشفتها، لأنها تذكّرنا أن الزلزال ليس فقط رقمًا في نشرة الأخبار، بل تجربة بشرية لا تُنسى.

أضف تعليق