عبر مختلف الحقب التاريخية، لم يكن اسم “المغرب الأقصى” مجرد وصف جغرافي، بل كان انعكاسًا للتموضع الحضاري والسياسي للمملكة داخل العالمين العربي والإسلامي، وامتدادًا لتفاعلها مع محيطها المتوسطي والإفريقي. هذا الاسم تطوّر مع تطور الوعي بالهوية والكيان الجغرافي، وعبّر عن نظرة الشعوب والدول للموقع المميز الذي احتله المغرب في أطراف العالم المعروف آنذاك.
من “موريتانيا” إلى “المغرب”
في الأزمنة القديمة، أُطلق على المنطقة اسم “موريتانيا”، نسبة إلى قبائل الموري أو المور، وهي التسمية التي استعملها اليونانيون والرومان. وكانت هذه التسمية تعبر عن نطاق واسع يشمل أجزاءً من الشمال الإفريقي الغربي، قبل أن تنقسم إلى “موريتانيا الطنجية” و”موريتانيا القيصرية”.
ومع دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا، تغيّرت التسميات لتتماشى مع التقسيمات الإدارية والسياسية الجديدة التي جاء بها الأمويون والعباسيون، وأصبح يُشار إلى المغرب بما يعكس انتماءه الجديد للعالم الإسلامي.
المغرب في الجغرافيا الإسلامية
ظهر مصطلح “المغرب” تدريجيًا في المؤلفات الجغرافية العربية، وكان يقابل “المشرق”. وفي هذا السياق، قُسم العالم الإسلامي إلى ثلاثة أقطار أساسية:
- المشرق: ويشمل العراق والشام والجزيرة العربية وفارس.
- المغرب الأدنى: تونس وما جاورها.
- المغرب الأوسط: الجزائر.
- المغرب الأقصى: المغرب الحالي.
هذا التقسيم استُخدم لتمييز الامتداد الجغرافي لأراضي المسلمين، خصوصًا بعد أن بدأت الفتوحات الإسلامية تتجه غربًا. وكانت عبارة “المغرب الأقصى” تشير إلى أبعد نقطة وصل إليها الإسلام غربًا في القارة الإفريقية.
دلالة التسمية في العهد المرابطي والموحدي
في زمن المرابطين ثم الموحدين، الذين وحدوا المغرب الكبير وامتد نفوذهم إلى الأندلس، بدأت تسمية “المغرب الأقصى” تتخذ طابعًا سياسيًا إلى جانب بعدها الجغرافي. فقد كانت تعني الدولة التي تقع في أقصى الغرب الإسلامي، والتي أصبحت قوة سياسية ذات استقلال عن المشرق العباسي.
وفي هذا السياق، كان المؤرخون والجغرافيون المسلمون، مثل الإدريسي وابن خلدون، يشيرون إلى المغرب الأقصى باعتباره كيانًا متميزًا له خصائصه الثقافية والسياسية، رغم اشتراكه في العقيدة واللغة مع باقي أجزاء دار الإسلام.
تسميات أوروبية لاحقة
مع دخول المغرب في علاقات مع أوروبا خلال العصور الوسطى، بدأت تظهر تسميات مختلفة، منها:
- “المغرب” (Morocco) في الوثائق الأوروبية.
- “مراكش” كمُسمى يدل على الدولة كلها، نتيجة لبروز مدينة مراكش كعاصمة كبرى للمرابطين والموحدين.
أما تسمية “Empire Chérifien” التي ظهرت في العهد العلوي فكانت تُستخدم خصوصًا في الخطاب الدبلوماسي الفرنسي لتأكيد الطابع الديني للسلطة.
الاسم في الوثائق الرسمية
في عدد من الوثائق المخزنية التي تعود إلى القرون 17–19، ورد اسم “المغرب الأقصى” مرارًا لتحديد الهوية الإقليمية للدولة، خصوصًا في المراسلات مع الدولة العثمانية والدول الأوروبية. ويدل ذلك على أن الاسم لم يكن فقط تعبيرًا جغرافيًا، بل كان أحد مكونات الكيان السياسي للبلاد.
البعد الرمزي للتسمية
يحمل اسم “المغرب الأقصى” دلالة رمزية تتجاوز الموقع الجغرافي، فهو يعني من حيث اللغة “الغرب البعيد”، لكنه في الإطار الحضاري الإسلامي يمثل التخوم التي بلغها نور الإسلام غربًا، وهو ما منح المغرب مكانة روحية رمزية في المخيال الديني والسياسي الإسلامي.
بل إن بعض الروايات التاريخية أشارت إلى أن النبي محمد ﷺ تحدث عن أهل المغرب الأقصى في سياق بشارات الفتح، مما أعطى للاسم مكانة خاصة في التقاليد الإسلامية الشعبية والعلمية على حد سواء.